ولادته وأُسرته:
هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى ابن إبراهيم بن الإمام أبي إبراهيم موسى الكاظم (عليه السلام).
وأُمه السيدة فاطمـة بنت الحسين بن أبي محمد الحسن الاطروش بن علي ابن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام).
ولد في بغداد عام 359 هـ وتوفي عام 406 هـ .
وكان للشريف الرضي شقيق واحد وهو السيد المرتضى (رحمه الله) (ت 436هـ) وشقيقتان وهما زينب وخديجة، توفيت إحداهما في حياته فتأثّر لوفاتها ورثاها بقصيدة طويلة، وتوفيت الأُخرى بعد وفاته أي أواخر شعبان عام 419 هـ .
وله (رحمه الله) ولد واحد هو أبو أحمد عدنان، وهو الملقّب بالطاهر ذي المناقب، قال عنه ابن عنبة في عمدة الطالب: «فولد الرضي أبو الحسن محمد، أبا أحمد عدنان، يلقّب الطاهر ذا المناقب، لقب جدّه أبي أحمد الحسين بن موسى، تولّى نقابة الطالبيين ببغداد على قاعدة جدّه وأبيه وعمه، قال أبو الحسن العمري: هو الشريف العفيف المتميّز في سداده وصونه ...»([1]).
ألقابه ومناصبه:
لقد لقّبه بهاء الدولة سنة (388هـ) بالشريف الأجل، وفي سنة (392هـ) بذي المنقبتين، وفي سنة (398هـ) بالرضي ذي الحسبين، وفي سنة (401هـ) أمر أن تكون مخاطباته ومكاتباته بعنوان الشريف الأجل، وهو أوّل من خوطب بذلك من الحضرة الملوكيّة.
وتولّى من المناصب نقابة الطالبيين، وإمارة الحاج، والنظر في المظالم سنة (380هـ) وهو ابن (21) عاماً على عهد الطائع، وصدرت الأوامر بذلك من بهاء الدولة وهو بالبصرة سنة (397هـ) ، ثم عهد إليه في (16) محرم سنة (403هـ) بولاية أُمور الطالبيين في جميع البلاد، فدُعي نقيب النقباء، وأُتيحت له إمارة الحاجّ على الحرمين على عهد القادر.
أساتذته ومشايخه:
أمّا أساتذته ومشايخه فقد عدّهم العلّامة السيد محمد حسين الجلالي في مقدّمة كتاب إرشاد المؤمنين 1: 39 كما يلي:
1 ـ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري الفقيه المالكي (ت 399هـ) ذكره سبطُ ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص ([2]).
2 ـ أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي (ت 377هـ) عزّاه الرضي بولد توفي له كما في ديوانه([3]).
3 ـ أبو سعيد الحسن بن عبدالله بن المرزبان السيرافي (ت 368هـ)([4]).
4 ـ سهل بن أحمد بن عبدالله بن سهل الديباجي (ت 385هـ)([5]).
5 ـ قاضي القضاة أبو الحسن عبدالجبار بن أحمد الهمذاني البغدادي الشافعي المعتزلي، كان شيخ المعتزلة في عصره، قرأ عليه الشريف كتابيه: تقريب الأُصول وشرح الأُصول الخمسة([6]).
6 ـ أبو اليُمْنِ عبدالرحيم بن محمد بن نباتة، صاحب ديوان الخُطَب (ت394هـ)([7]).
7 ـ القاضي أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالله الأسدي، ابن الأكفاني الحنفي (ت 405هـ)([8]).
8 ـ أبو الفتح عثمان بن جنّي الرومي الموصلي (ت 392هـ)([9]) ، وقال فيه الرضي قصيدة منها:
فدىً لأبي الفتح الأفاضل إنّه |
|
يبزّ عليهم إن أَرمّ وقالا([10]) |
9 ـ أبو الحسن علي بن عيسى الرماني الرَّبَعِيُّ البغداديُّ النحـويُّ (ت420هـ)([11]).
10 ـ أبو حفص يحيى بن إبراهيم الكتاني (ت 390هـ)([12]).
11 ـ أبوالقاسم عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجراح (ت391هـ)([13]).
12 ـ أبو عُبيدالله محمد بن عمران المرزباني (ت 384هـ)([14]).
13 ـ أبو بكر محمد بن موسى بن محمد الخوارزمي الحنفي (ت 403هـ)([15]) .
قال في (المنتظم): «وكان من تلامذته الرضي»([16]).
14 ـ الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413هـ)([17]).
15 ـ الفقيه أبو عبدالله محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني (ت 398هـ).
16 ـ أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني (ت 390هـ)([18]).
17 ـ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري (ت 385هـ)([19]).
18 ـ أبو عبدالله ابن الإمام المنصوري اللغوي (ت 391هـ)([20]).
وما أصدق محمد عبد الغني المصري حين قال: «ومن هذا الثَّبت نعرف أنّ الشريف الرضي كان واسع العقل، رحب الصدر، حرّ الفكر، فلم يتعصّب لرجال مذهب على رجال مذهب آخر، لقد كان من شيوخه الشيعي، والسني، والمعتزلي، والرافضي، والشافعي، والحنفي، والمالكي، فلم يتحرّج أن يأخذ العلم من أيّ مصدر، وقد رأينا أنّ أبا إسحاق الطبري الذي منحه داره ليقيم فيها، كان فقيهاً سنيّاً على مذهب الإمام مالك»([21]).
وصدق الدكتور زكي مبارك في قوله: «والواقع أنّ الشريف كان قليل الرعاية للعصبية المذهبية، والظاهر أنّه كان حرّ العقل إلى حدّ بعيد، فقد كان يدرس جميع المذاهب الإسلامية ليمدّ عقله بالأنوار التي يُرسلها اختلاف الفقهاء» ([22]) .
تلامذته والرواة عنه:
ويروي عنه جمعٌ من أعيان الطائفة وأعلام الجمهور ذكرهم العلّامة الأميني في الغدير، منهم:
1 ـ شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفّى (460).
2 ـ الشيخ جعفر بن محمد الدوريستي.
3 ـ الشيخ أبو عبدالله محمد بن علي الحلواني، كما في الإجازات.
4 ـ القاضي أبو المعالي أحمد بن علي بن قدامة المتوفّى (486) كما في كثير من إجازات أعلام الدين.
5 ـ أبو زيد السيد عبدالله بن علي كيابكي بن عبدالله الحسيني الجرجاني، كما في إجازة الشهيد الثاني لوالد الشيخ البهائي العاملي، وإجازة المولى المجلسي الأول لولده العلّامة المجلسي.
6 ـ أبو بكر أحمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري الخزاعي، وهو من أجلّاء تلامذة المترجَم له وأخيه الشريف المرتضى كما في المقابيس للعلّامة الحجّة التستري.
7 ـ أبو منصور محمد بن أبي نصر محمد بن أحمد بن الحسين بن عبدالعزيز العكبري المعدّل، كما في قصص الأنبياء للراوندي([23]).
8 ـ القاضي السيد أبو الحسن علي بن بندار بن محمد الهاشمي، يروي عن المترجم له وأخيه علم الهدى المرتضى، كما في إجازة الشيخ عبدالله السماهيجي الكبيرة للشيخ ياسين، وإجازته للشيخ ناصر الجارودي سنة (1128).
9 ـ الشيخ المفيد عبدالرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوري، يروي عن المترجم له وأخيه علم الهدى جميع مصنّفاتهما بلا واسطة، كما في إجازة الشيخ عبدالله السماهيجي الكبيرة المذكورة.
تأليفاته:
1 ـ نهج البلاغة.
2 ـ أخبار قضاة بغداد([24]).
3 ـ كتاب الأمثال وهو كتاب فيه مختارات شعرية لعدّة شعراء من امرئ القيس إلى المتنبي في مواضيع شتى.
4 ـ تلخيص البيان عن مجازات القرآن ([25])، ويسمى بالمجازات القرآنية، وبمجاز القرآن. وهو مطبوع مكرراً.
5 ـ تعليق خلاف الفقهاء([26]).
6 ـ تعليقته على كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي([27]).
7 ـ الحسَنَ من شعر الحُسَيْن بن الحجاج (ت391) ([28]).
8 ـ حقائق التأويل. وهو مطبوع.
9 ـ خصائص الأئمّة الإثني عشر (عليهم السلام). وهو مطبوع.
10 ـ ديوان شعر.
11 ـ الرسائل، وهي مجموعة مختلفة المواضيع والمناسبات، وصرّح ابن عنبة أنّها في ثلاثة مجلّدات([29]).
12 ـ كتاب زيادات شعر ابن الحجاج وكتاب زيادات شعر أبي تمام الطائي.
13 ـ سيرة والده([30])، وهو الشريف الطاهر أبي أحمد الحسين.
14 ـ مختار أشعار أبي إسحاق الصابي([31]).
15 ـ المجازات النبوية([32]). وهو مطبوع.
16 ـ كتاب رسائله المنثورة المسجوعة.
17 ـ كتاب الرسائل الشعرية التي دارت بينه وبين أبي إسحاق الصابي.
18 ـ كتاب معاني القرآن.
مقامه العلمي والأدبي:
يشهد لمقام الشريف العلمي تلمذته على جلّة من أساطين العلماء لدى الفريقين الشيعة والسنة في مختلف العلوم، وهو وإن لم يكثر في التأليف لكن مراجعة ما خلّفه لنا من تراث قيّم يكشف عن براعته وطول باعه، قال ابن الجوزي: «حفظ القرآن في مدّة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قوياً، وكان عالماً فاضلاً...» ([33]).
وقال النسابة العمري في (الـمَجْدِي): «قد قرأ على أجلّاء الرجال، وشاهدت له جزءاً مجلّداً من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر...» ([34]).
أمّا مقامه الأدبي وشاعريته فممّا لا يحتاج إلى بيان، حتى عُدّ أشعر قريش، وابتدأ ينشد الشعر بعد أن جاوز عشر سنوات بقليل([35])، ووصفه النجاشي بأنّه كان شاعراً مبرزاً([36]).
قال الخطيب البغدادي: «سمعت أبا عبدالله محمد بن عبدالله الكاتب بحضرة أبي الحسين محفوظ ـ وكان أحد الرؤساء ـ يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: الرضي أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح، وقد كان في قريش من يجيد القول إلّا أنَّ شعره قليل، فأمّا مُجيد مكثر فليس إلّا الرضي» ([37]).
عقيدته:
اتفقت كتب التاريخ والرجال والتراجم على أنَّ الشريف الرضي شيعي إمامي، فما ذكره ابن عنبة: «ووجدت في بعض الكتب أنَّ الرضي زيدي المذهب»([38]) لا نتفق معه، إذ انّه أوّلاً لم يذكر المصدر الذي نقل عنه هذه المعلومة ولا اسم المؤلّف لننظر فيه، وثانياً لو كان مستند هذا القول بعض أشعاره التي توحي بذلك، فله أبيات أُخرى يصرّح بمذهبه وتشيّعه.
أقول: وما يبعد تهمة الزيدية عن الشريف الرضي (رحمه الله) قوله في مدح أبي عبدالله ابن الحسن الداعي الذي ولي النقابة أيام معزالدولة البويهي، والأبيات مذكورة في كتاب الشافي لعبدالله بن حمزة بن سليمان (ت/614هـ) من أئمة الزيدية ج1/ 883 نشر مكتبة أهل البيت (عليهم السلام) بصعدة 1430هـ.
قال الشريف الرضي (رحمه الله):
الحمد لله على عدله |
|
قد رجع الحق إلى أهله |
فهو (رحمه الله) يصرّح بالنصّ في البيت ما قبل الأخير. هذا مضافاً إلى انّه ألّف كتاب (خصائص الأئمّة) وإن لم يتمّـه ـ كـما صرّح في مقدّمة (نهج البلاغة) ـ ، وثالثاً تصريح علماء السنّة بتشيّعه وأَنّه رافضي.
قال السيوطي في (حسن المحاضرة) في والد الرضي(رحمه الله): «وكانت فيه كل الخصال الحسنة، إلّا أنّه كان رافضياً هو وأولاده على مذهب القوم» ([39]).
وجاء في (النجوم الزاهرة) في وصف الشريف الرضي (رحمه الله): «عالي الهمة متديناً، إلّا انّه كان على مذهب القوم إماماً للشيعة هو وأبوه وأخوه»([40]).
ومن المحتمل أنّ هذه التهمة أُلصقت به من قبل آبائه لأُمّه، قال الشيخ عبد الحسين الحلي في مقدّمة كتاب (حقائق التأويل): «أرى انّ تلك التهمة ـ الزيدية ـ قد لُصقت به من قبل آبائه لأُمّه، بني الناصر الكبير أبي محمد الحسن الاطروش صاحب الديلم، لكن قد ثبت لدى علماء الرجال من الإمامية، وفي طليعتهم السيد الشريف المرتضى علم الهدى في كتابه (شرح المسائل الناصريات( نزاهته ونزاهة جميع بنيه عن تلك العقيدة المخالفة لعقيدة أسلافهم، سوى أَنّ اصطلاح الكتّاب أخيراً جرى على تسمية الثائر في وجه الخلافة زيدياً، ولمن كان بريئاً من عقائد الزيدية، يريدون أَنّه زيدي النزعة لا العقيدة، وربما تطرّفوا فجعلوا لفظ (زيدي (لقباً لكلّ من تحمّس للثورة، وطالب بحقّ زعم أنّه أهله، وإن لم يجرّد سيفاً، ولم يحد قيد شعرة عن مذهب الإمامية في الإمامة ولا عن طريقة الجماعة.
ولقد كان أبو حنيفة في نقل أبي الفرج الاصبهاني زيدياً، وكذا أحمد وسفيان الثوري وأضرابهم من معاصريهم،ومراده من زيد يّتهم أَنّهم يرون الخلافة الزمنية جائرة، وأَنّ الخارج آمراً بالمعروف أحق بالإتباع والبيعة» ([41]) .
وفاته:
توفي الشريف الرضي (رحمه الله) في السادس من شهر محرم عام (406 هـ )، ورثاه الكثير من الشعراء والأُدباء، وعند وفاته حضر إلى داره الوزير أبو غالب فخـر الملك والوزراء والأعيـان والأشراف والقضـاة حفـاة ومشـاة ، وصلّى عليه فخر الملك ودفن في داره الكائنة في محلّة الكرخ([42])، ولم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى ولم يصلّ عليه، ومضى من جزعه عليه إلى مقابر قريش حيث مشهد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، لأنّه لم يستطع النظر إلى تابوته.
وذكر الكثير من المؤلّفين نقل جثمانه إلى كربلاء المشرفة بعد دفنه في داره بالكرخ، فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى.
ويظهر من التاريخ أَنَّ قبره كان مشهوراً معروفاً في الحائر الحسيني المقدس([43]).