[9] ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية([1])
فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا، وَاجْتِيَاحَ([2]) أَصْلِنَا، وَهَمُّوا بِنَا الْـهُمُومَ، وَفَعَلُوا بِنَا الأَفَاعِيلَ، وَمَنَعُونَا الْعَذْبَ، وَأَحْلَسُونَا الْـخَوْفَ([3])، وَاضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ([4])، وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْـحَرْبِ، فَعَزَمَ اللهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ([5])، وَالرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ([6]). مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذلِكَ الأَجْرَ، وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الأَصْلِ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالأَسِنَّةِ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْـحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَلكِنَّ آجَالَـهُمْ عُجِّلَتْ وَمَنِيَّتَهُ أُخِّرَتْ.
فَيَا عَجَباً لِلدَّهْرِ! إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لا يُدْلِي أحَدٌ بِمِثْلِهَا، إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لا أَعْرِفُهُ، وَلا أَظُنُّ اللهَ يَعْرِفُهُ([7])، وَالْـحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمانَ إِلَيْكَ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هذَا الأَمْرِ، فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلا إِلَى غَيْرِكَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ([8]) عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطلُبُونَكَ، لا يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرّ ٍ وَلا بَحْرٍ، وَلا جَبَلٍ وَلا سَهْلٍ، إِلَّا أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ، وَزَوْرٌ([9]) لا يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ، وَالسَّلامُ لِأَهْلِهِ.
[1] ـ رواه باختلاف المنقري (ت 212) في وقعة صفين: 89، والبلاذري (ت 279) في أنساب الأشراف: 280، والدينوري (ت 282) في الأخبار الطوال: 163 ط دار الكتب العربية، وابن عبد ربه (ت 328) في العقد الفريد 4: 335.
[2] ـ الإجتياح: الاستئصال والإهلاك.
[3] ـ أحلسونا الخوف: أي جعلوا الخوف ملازماً لنا كحلس البعير يلازم ظهره، وهو كساء يجعل تحت الرحل.
[4] ـ الجبل الوعر: الصعب الذي لا يرقى إليه.
[5] ـ فعزم الله لنا ... : أي أراد لنا أن نذبّ عن حوزته أي شريعته الحقة.
[6] ـ الرمي من وراء الحرمة: جعل نفسه وقاية لها يدافع السوء عنها، فهو من ورائها أو هي من ورائه.
[7] ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 14: 50 في تعليقه على هذا الكلام : «الظن هاهنا بمعنى العلم... وأخرج هذه الكلمة مخرج قوله تعالى: ﴿قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض﴾ وليس المراد سلب العلم بل العلم بالسلب، كذلك ليس مراده (عليه السلام) سلب الظن الذي هو بمعنى العلم، بل ظن السلب أي علم السلب، أي وأعلم أنّ الله سبحانه يعرف انتفاءه، وكل مايعلم الله انتفاءه فليس بثابت» .
[8] ـ لئن لم تنزع: أي لئن لم تنته وتفارقه.
[9] ـ الزور: الزائر.