[25] ومن وصية له (عليه السلام)
كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات([1])
وإنّما ذكرنا منها جملاً هاهنا ليُعلَمَ بها أنّه (عليه السلام) كان يقيم عماد الحقّ، ويشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور وكبيرها، ودقيقها وجليلها:
انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلا تُرَوِّعَنَّ([2]) مُسْلِماً، وَلا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً، وَلا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ.
فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْـحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، حَتَّى تَقوُمَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَلا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَـهُمْ([3])، ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللهِ وَخَلِيفَتُهُ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ للهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ! فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ، فَلاَ تُرَاجِعْهُ، وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ([4]) مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ([5]) أَوْ تُرْهِقَهُ([6])، فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإنْ كَانَتْ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْها دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَلا عَنِيفٍ بِهِ، وَلا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلا تُفْزِعَنَّهَا،وَلَا تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَاصْدَعِ الْـمَالَ([7]) صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِـمَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِـمَا اخْتَارَ، فَلَا تَزَالُ بِذلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِـحَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ، فَاقْبِضْ حَقَّ اللهِ مِنْهُ، فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا، ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلاً حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ.
وَلَا تَأْخُذَنَّ عَوْداً([8])، وَلَا هَرِمَةً([9]) ، وَلَا مَكْسُورَةً ، وَلا مَهْلُوسَةً([10]) ، وَلا ذَاتَ عَوَارٍ.
وَلاَ تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ الْـمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ. وَلا تُوَكِّلْ بِهَا إِلَّا نَاصِحاً شَفِيقاً، وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعَنِّفٍ وَلا مُجْحِفٍ، وَلا مُلْغِبٍ([11]) وَلا مُتْعِبٍ.
ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ. فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ: أَلَّا يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَبَيْنَ فَصِيلِهَا ، وَلا يَمْصُرَ([12]) لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذلِكَ بِوَلَدِهَا ، وَلا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذلِكَ وَبَيْنَهَا، وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللاَّغِبِ([13])، وَلْيَسْتَأْنِ([14]) بِالنَّقِبِ([15]) وَالظَّالِعِ([16])، وَلْيُورِدْهَا مَا تَـمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ، وَلا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ([17])، وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَلْـيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ([18]) وَالأَعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ بُدناً مُنْقِيَاتٍ([19])، غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَلا مَجْهُودَاتٍ، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله وسلّم) فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لِأجْرِكَ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
[1] ـ رواها باختلاف الثقفي (ت 283) في الغارات 1: 125 وقال: «حدّثنا محمّد، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: وأخبرني يحيى بن صالح الحريري، قال: أخبرنا أبو العباس الوليد بن عمرو ـ وكان ثقة ـ عن عبدالرحمن بن سليمان، عن جعفر بن محمّد بن عليّ :»، والشيخ الكليني (ت329) في الكافي 3: 536 ح 1 عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن بريد بن معاوية. والشيخ المفيد (ت 413) في المقنعة: 255 عن حمّاد عن حريز عن بريد العجلي.
[2] ـ لا تروعنّ: لا تفزعنّ.
[3] ـ أي حيّهم تحيّة كاملة غير مخدجة أي غير ناقصة.
[4] ـ أنعم لك: قال نعم.
[5] ـ تعسفه: تأخذه بشدّة.
[6] ـ ترهقه: تكلّفه العسر والمشقة.
[7] ـ صَدَع المال: قسّمه قسمين.
[8] ـ العود: المسنّ من الإبل.
[9] ـ الهرمة: المسنّة أيضاً والضعيفة.
[10] ـ المهلوسة: المريضة قد هلسها المرض وأفنى لحمها.
[11] ـ الملغب: المتعب، واللغوب: الإعياء.
[12] ـ المصر: حلب ما في الضرع جميعه.
[13] ـ اللاغب: ما أعياه التعب.
[14] ـ ليستأن: من التأني.
[15] ـ بعير نقب: دقيق الخفّ.
[16] ـ الظالع: الذي ظلع أي غمز في مشيه.
[17] ـ جواد الطرق: الطرق التي لا مرعى فيها.
[18] ـ النطاف: المياه القليلة.
[19] ـ البدن: السمينة ، ومنقيات: ذوات نِقي وهو المخّ في العظم.