[31] ومن وصيّته (عليه السلام) للحسن بن عليّ (عليه السلام)
كتبها إليه بـ«حاضرين» عند انصرافه من صفّين([1])
مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْـمُقِرِّ لِلزَّمَانِ([2])، الْـمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْـمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ، الذَّامِّ لِلدُّنْيَـا ، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْـمَوْتَى، وَالظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً، إِلَى الْـمَوْلُودِ الْـمُؤَمِّلِ مَا لَايُدْرَكُ([3])، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الأَسْقَامِ، رَهِينَةِ الأَيَّامِ([4]) وَرَمِيَّةِ([5]) الْـمَصَائِبِ، وَعَبْدِ الدُّنْيَا، وَتَاجِرِ الْغُرُورِ، وَغَرِيمِ الْـمَنَايَا، وَأَسِيرِ الْـمَوْتِ، وَحَلِيفِ الْـهُمُومِ، وَقَرِينِ الأَحْزَانِ، وَنُصْبِ([6]) الآفَاتِ، وَصَرِيعِ الشَّهَوَاتِ، وَخَلِيفَةِ الأَمْوَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِيَما تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي، وَجُمُوحِ الدَّهْرِ([7]) عَلَيَّ، وَإِقْبَالِ الآخِرَةِ إِلَيَّ، مَا يَزَعُنِي([8]) عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ، وَالإِهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي، غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي، فَصَدَفَنِي رَأْيِي، وَصَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ، وَصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي، فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لَايَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ، وَصِدْقٍ لَايَشُوبُهُ كَذِبٌ.
وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْـمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذا، مُسْتَظْهِراً بِهِ([9]) إِنْ أَنا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ.
فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ ـ أَيْ بُنَيَّ ـ وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَالاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ ، وَأَيُّ سَبَبٍ أَوْثَـقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ عَـزّوَجَلَّ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ!
أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْـمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْـحِكْمَةِ، وَذَلِّـلْهُ بِذِكْرِ الْـمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ([10])، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَأعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْـمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُرْ مَا فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمُ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلُّوا دَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ.
فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ، وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لا تَعْرِفُ، وَالْـخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ، وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ، وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ الْـمُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلا تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ([11]) إلَى الْـحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ الصَّبْرَ عَلَى الْـمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْـخُلُقُ التَّصَبُّرُ، وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى إِلـٰهِكَ، فَإِنَّكَ تُلجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ، وَمَانِعٍ عَزِيزٍ، وَأَخْلِصْ فِي الْـمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْـحِرْمَانَ، وَأَكْثِرِ الاسْتِخَارَةَ، وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَلا تَذْهَبَنَّ [عَنْكَ] صَفْحاً([12])، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَلا يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لا يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ.
أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَوْ أَنْ أَنْقُصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْـهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا([13])، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ، وَإِنَّمَا قَلْبُ الْـحَدَثِ كَالأَرْضِ الْـخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ([14]) مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ.
أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِـي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِـهِِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَتَهُ([15])، وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ، وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ، وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ، وَمُقْتَبِلُ الدَّهْرِ، ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ، وَنَفْسٍ صَافِيَةٍ، وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، لا أُجَاوِزُ ذلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ إِحْكَامُ ذلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْرٍ لا آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْـهَلَكَةَ، وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ، وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ، فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هذِهِ.
وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللهِ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ، وَالأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِـحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لاَِنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ، وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ، ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذلِكَ إِلَى الأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا، وَالإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بِتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ، لا بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ، وَعُلَقِ الْـخُصُومَاتِ.
وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذلِكَ بِالاسْتِعَانَةِ بِإِلهكَ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ، وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَة أَوْلَـجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ، أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَةٍ.
فَإذا أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ، وَتَمَّ رَأْيُكَ وَاجْتَمَعَ، وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذلِكَ هَمّاً وَاحِداً، فَانْظُرْ فِيَما فَسَّرْتُ لَكَ، وَإِنْ أنْتَ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ، وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ، وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ، وَلَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ وَلا مَنْ خَلَّطَ، وَالإِمْسَاكُ عَنْ ذلِكَ أَمْثَلُ.
فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي، وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْـمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الْـحَيَاةِ، وَأَنَّ الْـخَالِقَ هُوَ الْـمُمِيتُ، وَأَنَّ الْـمُفْنِيَ هُوَ الْـمُعِيدُ، وَأَنَّ الْـمُبْتَلِيَ هُوَ الْـمُعَافِي، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلَّا عَلَى مَا جَعَلَهَا اللهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّعْمَاءِ، وَالإِبْتِلَاءِ، وَالْـجَزَاءِ فِي الْـمَعَادِ، أَوْ مَاشَاءَ مِمَّا لا تعْلَمُ، فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ بِهِ، فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ جَاهِلاً ثُمَّ عَلِمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْرِ، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ، وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ، فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ.
وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ نَبِيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَارْضَ بِهِ رَائِداً([16])، وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِدَاً، فَإِنِّي لَمْ آلُكَ([17]) نَصِيحَةً، وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ ـ وَإِنِ اجْتَهَدْتَ ـ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ.
وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأتَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وصِفَاتَهُ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لا يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلا يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ، أَوَّلٌ قَبْلَ الأَشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّةٍ، وَآخِرٌ بَعْدَ الأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ، عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ.
فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِـمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ([18])، وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ، وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ، وَعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ، وَالرَّهْبَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ.
يَا بُنَيَّ، إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَحَالِـهَا، وَزَوَالِـهَا وَانْتِقَالِـهَا، وَأَنْبَأْتُكَ عَنِ الآخِرَةِ وَمَا اُعِدَّ لأَهْلِهَا فِيهَا، َضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الأَمْثَالَ، لِتَعْتَبِرَ بِهَا، وَتَحْذُوَعَلَيْهَا.
إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا([19]) كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ([20])، نَبَا([21]) بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ، فأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِيباً وَجَنَاباً مَرِيعاً، فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ([22]) الطَّرِيقِ، وَفِرَاقَ الصَّدِيقِ، وَخُشُونَةَ السَّفَرِ، وَجُشُوبَةَ الْـمَطْعَمِ، لِيَأتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ، وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ، فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذلِكَ أَلَماً، وَلا يَرَوْنَ نَفَقَةً مَغْرَماً، وَلا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ، وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ.
وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ، فَنَبا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَلا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فيِهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ.
يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَـهَا، وَلا تَظْلِمْ كَمَا لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَـهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلا تَقُلْ مَا لا تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلا تَقُلْ مَا لا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
وَاعْلَمْ، أَنَّ الإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وَآفَةُ الأَلْبَابِ، فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلا تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ.
وَاعْلَمْ، أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَنَّهُ لا غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الإِرْتِيَادِ، وَقَدْرِ بَلاَغِكَ([23]) مِنَ الزَّادِ، مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ، وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ في حَالِ غِنَاكَ، لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ في يَوْمِ عُسْرَتِكَ.
وَاعْلَمْ، أَنَّ أمَامَكَ عَقَبَةً كَؤُوداً، الْـمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِن الْـمُثْقِلِ، وَالْـمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْـمُسْرِعِ، وَأَنَّ مَهْبِطَهَا بِكَ لاَمَحَالَةَ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ، فَارْتَدْ([24]) لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ، وَوَطِّئ الْـمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ، فَلَيْسَ بَعْدَ الْـمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ، وَلا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ.
وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجَابَةِ، وَأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْترْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالإِنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الإِنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْـجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ([25]) عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْـمَتَابِ، فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ، فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ ذاتَ نَفْسِكَ، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الأَعْمَارِ، وَصِحَّةِ الأَبْدَانِ، وَسَعَةِ الأَرْزَاقِ.
ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعَمِهِ، وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ([26]) رَحْمَتِهِ، فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإِجَابَةُ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ، وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤْتاهُ، وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِـمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ، فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْـمَالُ لا يَبْقَى لَكَ وَلا تَبْقَى لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لا لِلدُّنْيَا، وَلِلْفَنَاءِ لا لِلْبَقَاءِ، وَلِلْمَوْتِ لا لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّكَ فِي مَنْزِلِ قُلْعَةٍ([27])، وَدَارِ بُلْغَةٍ([28])، وَطَرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ، وَأَنَّكَ طَريدُ الْـمَوْتِ الَّذِي لايَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلَابُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ.
يَا بُنَيَّ، أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْـمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْـمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلا يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ([29]).
وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَـرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ لَكَ نَفْسَهَا، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ([30])، يَهِرُّ([31]) بَعْضُهَا بَعْضاً، وَيَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا، نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ([32])، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا، وَرَكِبَتْ مَجْهُولَهَا([33])، سُرُوحُ عَاهَةٍ([34]) بِوَادٍ وَعْثٍ([35])، لَيْسَ لَـهَا رَاعٍ يُقيِمُهَا، وَلا مُسِيمٌ([36]) يُسِيمُهَا، سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى، وَأخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْـهُدَى، فَتاهُوا فِي حَيْرَتِهَا، وَغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا، وَاتَّخَذُوهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا. رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلاَمُ، كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الأَظْعَانُ، يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ([37])!
وَاعْلَمْ، أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ، فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً، وَيَقْطَعُ الْـمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً([38]). وَاعْلَمْ يَقِيناً، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ([39]) فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْـمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ([40])، فَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْروُمٍ، وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً. وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ، ويُسْرٍ لا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ؟!
وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ([41]) الْـهَلَكَةِ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قِسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ، وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ وَأَعْظَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ.
وَتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ([42]) مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ، وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ، وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ، وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ، وَالْـحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ، وَالْـمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ، وَرُبَّ سَاعٍ فِيَما يَضُرُّهُ، مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ([43])، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ، قَارِنْ أهْلَ الْـخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ، بِئْسَ الطَّعَامُ الْـحَرَامُ، وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ، إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً([44]) كَانَ الْـخُرْقُ رِفْقاً، رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً، وَالدَّاءُ دَوَاءً، وَرُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ، وَغَشَّ الْـمُسْتَنْصَحُ.
وَإِيَّاكَ وَالإتِّكَالَ عَلَى الْـمُنَى، فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى، وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ، وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ، بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ، وَلا كُلُّ غَائِبٍ يَؤُوبُ، وَمِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ، وَمَفْسَدَةُ الْـمَعَادِ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ، سَوْفَ يَأْتيِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ، التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ، وَرُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ، لا خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ، وَلا فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ، سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ([45])، وَلا تُخَاطِرْ بِشَيءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجَاجِ.
اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ([46]) عَلَى الصِّلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ([47]) عَلَى اللَّطَفِ وَالْـمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ.
وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ، لا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، حَسَنةً كَانَتْ أَمْ قَبِيحَةً، وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً، وَلا أَلَذَّ مَغَبَّةً([48])، وَلِنْ لِـمَنْ غَالَظَكَ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ، وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ، وَلا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ، وَلا يكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْـخَلْقِ بِكَ، وَلا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، وَلا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ، وَلا تكُونَنَّ عَلَى الإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الإِحْسَانِ، وَلا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ، وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ.
وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ، مَا أَقْبَحَ الْـخُضُوعَ عِنْدَ الْـحَاجَةِ، وَالْـجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى! إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ، وَإِنْ جَزِعْتَ عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ. اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الأُمُورَ أَشْبَاهٌ، وَلا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالأَدَبِ، وَالْبَهَائِمَ لا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ.
اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْـهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ، مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ([49])، الصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ([50])، وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ([51])، وَالْـهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى، رُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ، وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ، وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ، مَنْ تَعَدَّى الْـحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ، وَأوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ([52]) فَهُوَ عَدُوُّكَ، قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً، إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكاً، لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ، وَلا كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ وَأَصَابَ الأَعْمَى رُشْدَهُ.
أَخِّرِ الشَّرَّ، فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ، وَقَطِيعَةُ الْـجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ، مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ، لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ، إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ. سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْـجَارِ قَبْلَ الدَّارِ. إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلاَمِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً، وَإِنْ حَكَيْتَ ذلِكَ عَنْ غَيْرِكَ.
وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأَيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ([53])، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ. وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْـحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مَنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَيُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ. وَلا تُمَلِّكِ الْـمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْـمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ([54]). وَلا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا([55])، وَلا تُطْمِعْهَا [فِي] أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا.
وَإِيَّاكَ وَالتَّغايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَة، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ. وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلاً تَأْخُذُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلَّا يَتَوَاكَلُوا([56]) فِي خِدْمَتِكَ. وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتي بِهَا تَصُولُ.
أسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ، وَأسْأَلُهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَةِ، وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إنْ شَاءَ اللهُ.
[1] ـ روى قطعة منها ابن عبد ربه (ت 328) في العقد الفريد 3: 100، وروى نحوها كل من الكليني (ت329) في كتاب الرسائل كما في كشف المحجة للسيّد ابن طاووس: 219 فصل 154، والحسن بن عبدالله العسكري (382) في كتاب الزواجر والمواعظ نقلاً عن كشف المحجة أيضاً: 218 فصل 154، وابن شعبة (ق 4) في تحف العقول: 68.
[2] ـ المقرّ للزمان: المعترف له بالشدة.
[3] ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه 16: 52 ما لفظه: «إنّما أراد جنس البشر لا خصوص الحسن، وكذلك سائر الأوصاف التي تلي هذه اللفظة لا تخصّ الحسن (عليه السلام) بعينه، بل هي وإن كانت له في الظاهر بل هي للناس كلّهم في الحقيقة».
[4] ـ رهينة الأيّام: الرهينة المرهونة، أي انّه في قبضة الأيّام وحكمها.
[5] ـ الرمية: ما أصابه السهم.
[6] ـ النصب: ما تنصب لترمى.
[7] ـ جموح الدهر: تقلّبه وجوره.
[8] ـ يزعني: يكفّني ويصدّني.
[9] ـ مستظهراً به: مستعيناً به.
[10] ـ قرّره بالفناء: اطلب منه الإقرار بالفناء.
[11] ـ الغمرات: الشدائد.
[12] ـ صفحاً: جانباً.
[13] ـ بعدما ثبت بالأدلّة العقلية والنقلية القاطعة لزوم عصمة المعصوم وتنزّهه عمّا يشينه وينفّر عنه الطباع، لا مجال للتمسك بظاهر هذا الكلام على نفي العصمة عنهم : ـ كما زعمه ابن أبي الحديد في شرحه 16 : 66 ـ إذ أنّه جارٍ مجرى: إياك أعني واسمعي يا جارة، أو من باب الإنغماس في الأنوار الإلهية حيث يرى العارف نفسه أقلّ شيء وأذلّها في مقابل عظمة الله تعالى، ويقول: «وجودك ذنب لا يقاس به ذنب».
[14] ـ جدّ رأيك: محقّقه وثابته.
[15] ـ النخيل: المختار المصفّى، وفي بعض النسخ المطبوعة: جليله.
[16] ـ الرائد: من ترسله في طلب الكلأ ليتعرّف موقعه.
[17] ـ الإلو: التقصير.
[18] ـ خطره: قدره ومنزلته.
[19] ـ خبر الدنيا: عرفها باختبار وامتحان.
[20] ـ سَفْر ـ بفتح فسكون ـ : المسافرون.
[21] ـ نبا: لم يطب.
[22] ـ الوعثاء: الشدّة والمشقّة.
[23] ـ البلاغ: الكفاية.
[24] ـ الارتياد: الطلب، والمراد: ابعث لنفسك رائداً من طيبات الأعمال.
[25] ـ النزوع: الرجوع.
[26] ـ الشؤبوب: الدفعة من المطر.
[27] ـ منزل قلعة: أي ليس بمستوطن.
[28] ـ البلغة: ما يتبلغ به العيش.
[29] ـ يبهرك: يغلبك على أمرك.
[30] ـ ضارية: مولعة بالإفتراس.
[31] ـ يهرّ: يعوي وينبح.
[32] ـ النعم: الإبل، ومعقّلة من عقّل البعير: أي شدّ.
[33] ـ ركبت مجهولها: أي سارت في الطريق المجهول لها.
[34] ـ السروح: السائمة من الأنعام، والعاهة: الآفة، والمراد انّهم يسرحون لرعي الآفات.
[35] ـ الوعث: هو الذي لا يثبت قوائم المشاة فيه، بل تغيب فيه لفرط سهولته.
[36] ـ المسيم: من يسرح بالدواب إلى المرعى.
[37] ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه 16: 91 ما لفظه: «واستقرأني أبو الفرج محمّد بن عباد رحمه الله، وأنا يومئذٍ حدث هذه الوصية، فقرأتها عليه من حفظي، فلمّا وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة وسقط، وكان جباراً قاسي القلب».
[38] ـ الوادع: الساكن المستريح.
[39] ـ خفّص: سهّل وأرفق.
[40] ـ الحرب: إذهاب المال.
[41] ـ المناهل: ما ترده الإبل ونحوها للشرب.
[42] ـ فرط: قصر.
[43] ـ أهجر الرجل: هذى في كلامه.
[44] ـ الخرق: الخفّة أو العنف.
[45] ـ القَعُود: البكر عندما يمكّن ظهره من الركوب إلى أن ينثني. وهنا يعني: دُرْ مع الدهر كيفما دار.
[46] ـ صرمه: قطيعته.
[47] ـ الصدود: الهجر والإمتناع.
[48] ـ المغبّة: العاقبة.
[49] ـ القصد: الإعتدال، وجار: مال عن الصواب.
[50] ـ الصاحب مناسب: أي يراعى فيه ما يراعى في قرابة النسب.
[51] ـ صدق غيبه: أي حفظ لك حقك وهو غائب عنك.
[52] ـ لم يبالك: أي لم يهتم بأمرك.
[53] ـ الأفن: النقص.
[54] ـ القهرمان: الذي يتحكّم في الامور ويتصرّف فيها.
[55] ـ أي لا تجاوز بإكرامها نفسها فتكرم غيرها بشفاعتها.
[56] ـ يتواكلوا: يتكل بعضهم على بعض.