[35] ومن كتاب له (عليه السلام)
إلى عبدالله بن العباس، بعد مقتل محمّد بن أبي بكر بمصر([1]):
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَدِ اسْتُشْهِدَ، فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً، وَعَامِلاً كَادِحاً([2])، وَسَيْفاً قَاطِعاً، وَرُكْناً دَافِعاً.
وَقَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَـحَاقِهِ، وَأَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ، وَدَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَجَهْراً، وَعَوْداً وَبَدْءاً، فَمِنْهُمُ الآتِي كَارِهاً، وَمِنْهُمُ الْـمُعْتَلُّ كَاذِباً، وَمِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلاً. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلاً، فَوَاللهِ لَوْلَا طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ، وَتَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْـمَنِيَّةِ، لَأحْبَبْتُ أَلَّا أَبْقَى مَعَ هؤُلَاءِ يَوْماً وَاحِداً، وَلا أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً.
[1] ـ رواه الثقفي (ت 283) في الغارات 1: 299، والطبري (ت 310) في تاريخه 4: 83.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه 16: 145 تعليقاً على هذا الكتاب: «انظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها، وتملّكه زمامها، واعجب لهذه الألفاظ المنصوبة يتلو بعضها بعضاً كيف تواتيه وتطاوعه، سلسلة سهلة، تتدفّق من غير تعسّف ولا تكلّف... وأنت وغيرك من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة، جاءت القرائن والفواصل تارة مرفوعة، وتارة مجرورة، وتارة منصوبة، فإن أرادوا قسرها باعراب واحد ظهر منها في التكلّف أثر بيّن وعلامة واضحة، وهذا الصنف من البيان أحد أنواع الإعجاز في القرآن... ولا غرو فيمن كان محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) مربّيه ومخرجه، والعناية الإلهية تمدّه وترفده أن يكون منه ما كان».
[2] ـ الكادح: المبالغ في سعيه.