[58] ومن كتاب كتبه (عليه السلام)
إلى أهل الأمصار يقتصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين
وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الإِسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، لَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الإِيمَانِ بِاللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَلا يَسْتَزِيدُونَنَا، وَالأَمْرُ وَاحِدٌ، إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بُرَاءٌ([1]).
فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نُدَاوِي مَا لا يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ([2]) ، وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ ، حَتَّى يَشْتَدَّ الأَمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ ، فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْـحَقِّ مَوَاضِعَهُ . فَقَالُوا : بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْـمُكَابَرَةِ([3])، فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ([4]) الْـحَرْبُ وَرَكَدَتْ([5])، وَوَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَحَمِشَتْ([6]). فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا([7]) وَإِيَّاهُمْ، وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا([8]) فِينَا وَفِيهِمْ، أَجَابُوا عِنْدَ ذلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا، وَسَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْـحُجَّةُ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْـمَعْذِرَةُ.
فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللهُ مِنَ الْـهَلَكَةِ، وَمَنْ لَجَّ وَتَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ([9]) الَّذِي رَانَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ ، وَصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ.
[1] ـ كلامه (عليه السلام) هذا لا ينافي ما أصّله متكلمو الشيعة من انّ محاربي عليّ كفرة ومخالفيه فسقة، إلّا انّ كلامه هذا ورد قبل الإقتتال وصدق المحاربة، فمن الواضح انّ حالهم كان على ظاهر الإسلام، ولكن بعد المحاربة فيصدق عليهم عنوان النصب للإمام، وهو موجب للكفر بلا خلاف، كما يشير إليه ذيل كلامه (عليه السلام) بانّ من أذعن للحقّ منهم نجا من الهلكة، ومن تمادى ولجّ صارت دائرة السوء على رأسه، وكما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حربك حربي».
[2] ـ النائرة: مفعلة من النار.
[3] ـ المكابرة: المعاندة.
[4] ـ جنحت: مالت وأقبلت.
[5] ـ ركدت: سكنت ووقفت.
[6] ـ حمشت: استقرّت وشبّت.
[7] ـ ضرّستنا: عضّتنا بأضراسها.
[8] ـ المخلب: ظفر السبع.
[9] ـ الراكس: الناكث لعهده.