[64] ومن كتاب له (عليه السلام)
كتبه إلى معاوية، جواباً عن كتاب منه([1])
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الأُلْفَةِ وَالْـجَمَاعَةِ، فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَكَفَرْتُمْ، وَالْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَفُتِنْتُمْ، وَمَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ([2]) الإِسْلَامِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حِزْبَاً. وَذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ، وَنَزَلْتُ بَيْنَ الْـمِصْرَيْنِ! وَذلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ، فَلَا عَلَيْكَ، وَلا الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ.
وَذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْـهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ، فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ([3])، فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ، وَإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ:
مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ |
|
وَقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَأَخْوَالٍ! حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ، وَتَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْـجُحُودِ بِمُحَمَّد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ، لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً، وَلَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً، بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلاَ مِنْهَا الْوَغَى([9])، وَلَمْ تُمَاشِهَا الْـهُوَيْنَى. وَقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمانَ، فَادْخُلْ فِيَما دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ، أَحْمِلْكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ.
وَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ، وَالسَّلاَمُ لِأهْلِهِ.
[1] ـ رواه ابن قتيبة مختصراً في الإمامة والسياسة 1: 70، ورواه الطبرسي في الاحتجاج 1: 263، وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه 17: 251 كتاب معاوية إلى عليّ (عليه السلام) وقال: «أما الكتاب الذي كتبه إليه معاوية وهذا الكتاب جوابه...» مما يدلّ على أنّ الشارح كان مطّلعاً على المصادر التي ذكرت الحدث.
[2] ـ أنف كل شيء : أوّله وطرفه .
[3] ـ استرفه: تأنّ واسكن .
[4] ـ الحاصب: صغار الحصى .
[5] ـ الاغوار: جمع غور، ما اطمأنّ من الأرض، والجلمود: الصخر .
[6] ـ أعضضته: جعلته يعضّه .
[7] ـ أغلف القلب: الذي لا يدرك، كأنّ قلبه في غلاف لا يصل إليه نور الحقّ .
[8] ـ المقارب العقل: الذي عقله ليس بجيد .
[9] ـ الوغى: الحرب .