[96] ومن كلام له (عليه السلام)([1])
[في أصحابه وأصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلم)]
وَلَئِنْ أَمْهَلَ اللهُ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ، وَهُوَ لَهُ بِالمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ([2])طَرِيقِهِ، وَبِمَوْضِعِ الشَّجَا([3]) مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ([4]).
أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَظْهَرَنَّ هؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ، لَيْسَ لأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْـحَقِّ مِنْكُمْ، وَلكِنْ لإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ، وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي. وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا، وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي. اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا.
شُهُودٌ كَغُيَّابٍ، وَعَبِيدٌ كَأَرْبَاب، أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا، وَأَعِظُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَأ([5])، تَرْجِعُونَ إِلى مَجَالِسِكُمْ، وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ، أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً، وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً كَظَهْرِ الْـحَنِيَّةِ([6])، عَجَزَ الْـمُقَوِّمُ، وَأَعْضَلَ([7]) الْـمُقَوَّمُ.
أَيُّهَا الشَّاهِدةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْـمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، الْـمُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ!
يَاأَهْلَ الْكُوفَةِ، مُنِيتُ([8]) مِنْكُمْ بِثَلَاثٍ وَاثنَتَيْنِ: صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ، وَبُكْمٌ ذَوُو كَلاَمٍ، وَعُمْيٌ ذَوُوأَبْصَارٍ، لا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلاَءِ؛ تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ([9]) يَا أَشْبَاهَ الاِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيَما إخالُ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى([10])، وَحَمِيَ الضِّرَابُ([11])، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْـمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا([12])، وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً([13]).
انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا، وَلا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا.
لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ [مِنْكُمْ] لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، قَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ([14]) بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ، وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْـجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ! كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ([15]) أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ.
[1] ـ ورد هذا الكلام في مصادر متفاوتة بزيادة ونقصان واختلاف، رواه سليم (ق 1) في كتابه: 213، 258، وابن قتيبة (ت 276) في الإمامة والسياسة 1: 172، والثقفي (ت 283) في الغارات 2: 452، 494، والشيخ المفيد (ت 413) في الإرشاد 1: 237، 277، 282، وفي أماليه: 146 ح 6.
[2] ـ المجاز: المسلك.
[3] ـ الشجا: ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره، وموضع الشجا: الحلق نفسه.
[4] ـ مساغ ريقه: موضع الاساغة، أسغت الشراب: أوصلته الى المعدة.
[5] ـ أيادي سبأ: مثل يضرب للمتفرقين، وسبأ هو سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان.
[6] ـ الحنيّة: القوس.
[7] ـ أعظل: أعيا وأشكل.
[8] ـ منيت: ابتليت.
[9] ـ تربت أيديكم: أي لا أصبتم خيراً، أي: لصقت بالتراب أيديكم.
[10] ـ حمس الوغى: اشتد الحرب.
[11] ـ الضراب: المجالدة في الحرب.
[12] ـ شبّه (عليه السلام) انكشافهم بانكشاف المرأة عن فرجها وقت الولادة، وتورد هذه العبارة للتقريع والتوبيخ.
[13] ـ اللقط: أخذ الشيء من الأرض، يريد(عليه السلام) أنّ الضلال غالب على الهدى، فأنا ألتقط طريق الهدى من بين طريق الضلال لقطاً.
أمّا بالنسبة الى من يتمسك بهذا الكلام وأشباهه للطعن على الشيعة، فراجع ما مضى، ومن المناسب ذكر ما قاله ابن أبي الحديد في شرحه 7: 72 «ومن تأمّل أحواله(عليه السلام) في خلافته، علم انّه كان كالمحجور عليه لا يتمكن من بلوغ ما في نفسه، وذلك لأنّ العارفين بحقيقة حاله كانوا قليلين، وكان السواد الأعظم لا يعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقاده فيه، ويرون تفضيل من تقدمه من الخلفاء عليه، ويظنون أنّ الأفضلية هي الخلافة ويقلّد أخلافهم أسلافهم... ولا يرونه إلاّ بعين التبعية لمن سبقه، وانّه كان رعية لهم، وأكثرهم انّما يحارب معه بالحمية وبنخوة العربية لا بالدين والعقيدة...» فهذا الكلام يدل بصراحة انّ القوم لم يكونوا شيعة له بالمعنى الاصطلاحي، نعم تابعوه لأغراض شتى ومآرب اُخرى.
[14] ـ المراوحة في العمل: أن يعمل هذا مرة وهذا مرة.
[15] ـ همل: سال.