[105] ومن خطبة له (عليه السلام) ([1])
[وفيها يبيّن فضل الإسلام ويذكر الرسول الكريم ثمّ يلوم أصحابه]
الْـحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَعَ الاِسْلاَمَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِـمَنْ وَرَدَهُ، وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ، فَجَعَلَهُ أَمْناً لِـمَنْ عَلِقَهُ([2])، وَسِلْماً لِـمَنْ دَخَلَهُ، وَبُرْهَاناً لِـمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَشَاهِداً لِـمَنْ خَاصَمَ بِهِ، وَنُوراً لِـمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ، وَفَهْماً لِـمَنْ عَقَلَ، وَلُبّاً لِـمَنْ تَدَبَّرَ، وَآيَةً لِـمَنْ تَوَسَّمَ([3])، وَتَبْصِرَةً لِـمَنْ عَزَمَ، وَعِبْرَةً لِـمَنِ اتَّعَظَ، وَنَجَاةً لِـمَنْ صَدَّقَ، وَثِقَةً لِـمَنْ تَوَكَّلَ، وَرَاحَةً لِـمَنْ فَوَّضَ، وَجُنَّةً لِـمَنْ صَبَرَ.
فَهُوَ أبْلَجُ الْـمَنَاهِجِ([4]) وَاضِحُ الْوَلاَئِجِ([5])، مُشْرِفُ الْـمَنَارِ، مُشْرِقُ الْـجَوَادِّ، مُضِيءُ الْـمَصَابِيحِ، كَرِيْمُ الْـمِضْمارِ([6])، رَفِيعُ الْغَايَةِ، جَامِعُ الْـحَلْبَةِ([7])، مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ([8])، شَرِيفُ الْفُرْسَانِ. التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ، وَالصَّالِـحَاتُ مَنَارُهُ، وَالْـمَوْتُ غَايَتُهُ، وَالدُّنْيَا مِضْمَارُهُ، وَالْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ، وَالْـجَنَّةُ سُبْقَتُهُ.
منها: في ذكر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم)
حَتَّى أَوْرَى([9]) قَبَساً لِقَابِسٍ([10])، وَأَنَارَ عَلَماً لِـحَابِسٍ([11])، فَهُوَ أَمِينُكَ الْـمَأْمُونُ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ نِعْمَةً، وَرَسُولُكَ بِالْحقِّ رَحْمَةً. اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً([12]) مِنْ عَدْلِكَ، وَاجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْـخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ. اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَهُ([13])، وَشَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ، وَآتِهِ الْوَسِيلَةَ، وَأَعْطِهِ السَّنَاءَ وَالْفَضِيلَةَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ غَيْرَ خَزَايَا، وَلا نَادِمِينَ، وَلا نَاكِبِينَ، وَلا نَاكِثِينَ، وَلا ضَالِّينَ، وَلا مَفْتُونِينَ.
وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم، إلّا أنّنا كرّرناه هاهنا لما في الروايتين من الاختلاف.
منها: في خطاب أصحابه
وَقَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللهِ لَكُمْ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ، وَتُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ، وَيُعَظِّمُكُمْ مَنْ لا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيهِ، وَلا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ، وَيَهَابُكُمْ مَنْ لا يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً، وَلا لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ، وَقَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللهِ مَنْقُوضَةً فَلاَ تَغْضَبُونَ، وَأَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ، وَكَانَتْ أَمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ، وَأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللهِ فِي أَيْدِيهمْ، يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ، وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ، لَجَمَعَكُمُ اللهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَـهُمْ!
[1] ـ الشق الأوّل من هذه الخطبة رواه باختلاف سليم (ق1) في كتابه: 180 عن أبان، والإسكافي (ت220) في المعيار والموازنة: 260، والثقفي (ت283) في الغارات 1: 139 قال: «حدّثنا محمّد، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: وحدّثنا زكريا بهذا الكلام أكثر من هذا، ورواه عن أهل العلم من أصحابه»، والكليني (ت329) في الكافي2: 50 ح1، وابن شعبة (ق4) في تحف العقول: 162، والشيخ المفيد (ت413) في الأمالي: 276 ح 3 قال: «أخبرني أبو عبيدالله محمّد بن عمران المرزباني، قال: حدّثني أحمد بن سليمان الطوسي، عن الزبير بن بكار، قال: حدّثني عبدالله بن وهب، عن السدي، عن عبد خير، عن قبيصة بن جابر الأسدي»، والشيخ الطوسي (ت 460) في الأمالي: 37 ح 40 بسند الشيخ المفيد.
أما الشق الثاني فقد رواه باختلاف أيضاً الإسكافي (ت 220) في المعيار والموازنة: 272 ، وابن قتيبة (ت276) في غريب الحديث 1: 373، والثقفي (ت283) في الغارات 1: 159، وابن سلامة (ت454) في دستور معالم الحكم: 120.
[2] ـ عَلِقَه: تعلّق به.
[3] ـ توسّم: تفرس.
[4] ـ أبلج المناهج: معروف الطريق، والأبلج: المشرق المضيء.
[5] ـ الولائج: جمع وليجة وهي البطانة.
[6] ـ المضمار: الموضع الذي يضمر فيه الخيل، كأنّه(عليه السلام) جعل الإسلام كخيل السباق التي مضمارها كريم.
[7] ـ الحلبة: الخيل المجموعة للمسابقة.
[8] ـ السُبقة: ما يتراهن عليه المتسابقان.
[9] ـ ورى: استخرج النار من الزند.
[10] ـ القبس: شعلة من نار، والقابس: طالب النار من الغير.
[11] ـ الحابس: من يحبس فرسه أو ناقته، وأنار له علماً أي نصب له علماً ودليلاً يهتدي به.
[12] ـ مقسماً: نصيباً.
[13] ـ النزل: ما يُهيأ للنزيل من الطعام.