[118] ومن كلام له (عليه السلام) ([1])
وقد جمع الناس وحضّهم على الجهاد، فسكتوا ملياً، فقال(عليه السلام):
مَا بَالُكُمْ! أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ! فقال قوم منهم: يا أميرالمؤمنين، إن سرتَ سرنا معك.
فقال(عليه السلام): مَا بَالُكُمْ! لا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ! وَلا هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ! أَفِي مِثْلِ هذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ! إِنَّمَا يَخْرُخُ فِي مِثْلِ هذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ، وَلا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْـجُنْدَ، وَالْـمِصْرَ، وَبَيْتَ الْـمَالِ، وَجِبَايَةَ الأَرْضِ، وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْـمُسْلِمِينَ، وَالنَّظَرَ في حُقُوقِ الْـمُطَالِبِينَ، ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى، أَتَقَلْقَلُ([2]) تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْـجَفِيرِ([3]) الْفَارِغِ، وَإِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَا، تَدُورُ عَلَيَّ وَأَنَا بِمَكَاني، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ([4]) مَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا([5])، هذَا لَعَمْرُ اللهِ الرَّأْيُ السَّوْءُ.
وَاللهِ لَوْلاَ رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ ـ وَلَوْ قَدْ حُمَّ([6]) لِي لِقَاؤُهُ ـ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي([7]) ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ، فَلاَ أَطْلُبُكُمْ مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمَالٌ.
[طَعَّانِينَ عَيَّابِينَ، حَيَّادِينَ رَوَّاغِينَ. إِنَّهُ لا غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ مَعَ قِلَّةِ اجْتِماعِ قُلُوبِكُمْ. لَقَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ الَّتي لا يَهْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا هَالِكٌ، مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْـجَنَّةِ، وَمَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ!].
[1] ـ رواه الثقفي (ت 283) في الغارات 2: 625، واستشهد ابن الأثير (ت 606) في النهاية 1: 21 بقوله(عليه السلام): «استحار مدارها واضطرب ثفالها»، وذكر ابن أبي الحديد في شرحه 7: 287 انّه (عليه السلام) قال هذا الكلام في بعض غارات أهل الشام على أطراف أعماله بالعراق بعد انقضاء أمر صفّين والنهروان.
[2] ـ التقلقل: الحركة في اضطراب.
[3] ـ القِدْح: السهم، والجفير: الكنانة، وقيل: وعاء للسهام أوسع من الكنانة.
[4] ـ استحار: اضطرب، تردّد.
[5] ـ الثفال: الحجر الأسفل من الرحى، وقيل: جلد يبسط وتوضع الرحى فوقه ليسقط عليه الدقيق عند الطحن.
[6] ـ حُمّ: قُدّر.
[7] ـ الركاب: الإبل التي يُسار عليها.