[127] ومن كلام له (عليه السلام) للخوارج أيضاً ([1])
فَإنْ أَبَيْتُمْ إلَّا أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَضَلَلْتُ، فَلِمَ تُضَلِّلونُ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِضَلاَلِي، وَتَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي، وَتُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبي! سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ البَراءَةِ وَالسُّقْمِ، وَتَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ.
وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) رَجَمَ الزَّانِيَ [الْـمُحْصَنَ] ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ، وَقَتَلَ الْقَاتِلَ وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ أَهْلَهُ، وَقَطَعَ السَّارِقَ وَجَلَدَ الزَّانِيَ غَيْرَ الـمُحْصَنِ ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيْءِ وَنَكَحَا الْـمُسْلِمَاتِ؛ فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِذُنُوبِهمْ، وَأَقَامَ حَقَّ اللهِ فِيهمْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ. ثُمَّ أَنْتُمْ شِرَارُ النَّاسِ، وَمَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ، وَضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ([2])!
وَسَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْـحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْـحَقِّ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْـحَقِّ، وَخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالاً الـنَّمَطُ الأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ، وَالْزَمُوا السَّوَادَ الأَعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ! فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّةَ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ.
أَلاَ مَنْ دَعَا إِلَى هذَا الشِّعَارِ([3]) فَاقْتُلُوهُ؛ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هذِهِ، فَإِنَمَّا حُكِّمَ الْـحَكَمَانِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ، وَيُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ، وَإِحْيَاؤُهُ الاجْتِماعُ عَلَيْهِ، وَإِمَاتَتُهُ الافْتِرَاقُ عَنْهُ، فَإِنْ جَرَّنَا الْقُرْآنُ إِلَيْهِمُ اتَّبَعْنَاهُم، وَإِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا.
فَلَمْ آتِ ـ لاَأَبَا لَكُمْ ـ بُجْراً([4])، وَلا خَتَلْتُكُمْ([5]) عَنْ أَمْرِكُمْ، وَلا لَبَّسْتُهُ([6])عَلَيْكُمْ، إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ، أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلّا يَتَعَدَّيَا الْقُرْآنَ، فَتَاهَا عَنْهُ، وَتَرَكَا الْـحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ، وَكَانَ الْـجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَليْهِ، وَقَدْ سَبَقَ استِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا ـ فِي الْـحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ، وَالصَّمْدِ لِلْحَقِّ ـ سُوءَ رَأْيِهِمَا، وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا.
[1] ـ روى الطبري (ت 310) في تاريخه 4: 63 قوله: «فأجمع رأي ملئكم... وجور حكمهما». وروى المسعودي (ت 346) في مروج الذهب 2: 413 قوله(عليه السلام): «من دعا الى هذه الحكومة فاقتلوه قتله الله ولو كان تحت عمامتي هذه». واستشهد ابن الأثير (ت 606) بقوله(عليه السلام): «لم آت لا أبا لكم بجراً».
[2] ـ ضرب به تِيهَهُ: أي حيّره وجعله تائهاً.
[3] ـ قيل: مفارقة الجماعة والاستبداد بالرأي، وقيل: يعني شعار الخوارج حيث كانوا يحلقون وسط رؤوسهم ويبقون الشعر وسطه مستديراً حوله كالاكليل، وقيل: شعارهم قول: «لا حكم إلاّ لله».
[4] ـ البجر: الشر والأمر العظيم.
[5] ـ لا ختلتكم: لا خدعتكم.
[6] ـ التلبيس: خلط الأمر وتشبيهه حتى لا يعرف وجه الحقّ فيه.