[153] ومن خطبة له (عليه السلام) ([1])
[صفة الضال]
وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ، وَيَغْدُومَعَ الْـمُذْنِبِينَ، بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ، وَلا إِمَامٍ قَائِدٍ.
منها: [في صفات الغافلين]
حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَـهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ، استَقْبَلُوا مُدْبِراً، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ، وَلا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ.
وإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَنَفْسِي هذِهِ الْـمَنْزِلَةَ، فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً([2]) وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْـمَهَاوِي، وَالضَّلاَلَ فِي الْـمَغَاوِي([3])، وَلا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ، أَوْ تَحْرِيفٍ في نُطْقٍ، أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ.
فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ، وَاسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مِمَّا لا بُدَّ مِنْهُ وَلا مَـحِيصَ عَنْهُ، وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ، وَضَعْ فَخْرَكَ، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ، وَاذكُرْ قَبْرَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تُدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً، فَامْهَدْ([4]) لِقَدَمِكَ، وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ.
فَالْـحَذَرَ الْـحَذَرَ أَيُّهَا الْـمُسْتَمِعُ! وَالْـجِدَّ الْـجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ! وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللهِ فِي الذِّكْرِ الْـحَكِيمِ، الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ، أَنَّهُ لا يَنْفَعُ عَبْداً ـ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ، وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا: أَنْ يُشْرِكَ بِاللهِ فِيَما افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلاَكِ نَفْسِهِ، أَوْ يُقِرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ([5]) حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ. اعْقِلْ ذلِكَ فَإِنَّ الْـمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ.
إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا، وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا([6])؛ إِنَّ الْـمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ، إِنَّ الْـمُؤْمِنينَ مُشْفِقُونَ، إِنَّ الْـمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ [إِنَّ الْـمُؤْمِنِيْنَ ذَاكِرُونَ].
[1] ـ روى فحواها الكليني (ت 329) في الكافي 5: 82 ح 9 عن عليّ بن محمّد، عن ابن جمهور، عن أبيه رفعه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) كثيراً ما يقول ... ، ورواها أيضاً ابن شعبة (ق 4) في تحف العقول: 1540 باختلاف.
[2] ـ الجدد: الأرض الصلبة.
[3] ـ المهاوي: المساقط، والمغاوي: ما يغوى فيه.
[4] ـ مَهَدَ: بَسَط.
[5] ـ يستنجح: يطلب نجاح حاجته.
[6] ـ ربّما يتصوّر انّ كلامه (عليه السلام) هذا، يحمل على الإطلاق، وهذا خطأ، لأنّ ذيل الكلام يفسّر هذا المقطع، حيث قال (عليه السلام): «إنَّ المؤمنين مستكينون...» والمؤمن يشمل الرجل والمرأة، فمراد الإمام (عليه السلام) انّ النساء اللواتي تركن العمل بتعاليم الدِّين وما يفرضه عليهنّ الإيمان، يكون همّهنّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها، كما هو في الرجل أيضاً، أو يقال: انّ كلامه (عليه السلام) يحمل على التغليب.