[162] ومن كلام له (عليه السلام)([1])
لبعض أصحابه وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال:
يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ، إنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ([2])، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ([3])، وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ([4])، وَحَقُّ الْـمَسْأَلَةِ، وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ:
أمَّا الاسْتِبْدادُ عَلَيْنَا بِهذَا المقَامِ وَنَحْنُ الأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَالأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ نَوْطَاً([5])، فَإنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً([6]) شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفوسُ آخَرِينَ، وَالْـحَكَمُ اللهُ، وَالْـمَعْوَدُ إلَيْهِ الْقِيَامَةُ.
«وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ»([7])
وَهَلُمَّ الْـخَطْبَ([8]) فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إبْكَائِـهِ ، وَلا غَرْوَ وَاللهِ، فَيَا لَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ، وَيُكْثِرُ الأَوَدَ، حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ، وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ([9])، وَجَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً([10]) ، فَإنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَـنُ الْبَـلْوَى ، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْـحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ ، وَإنْ تَكُنِ الأُخْرَى: <فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ>.
[1] ـ رواه باختلاف الشيخ الصدوق (ت381) في الأمالي: 716 ح 5 قال: «حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن رعل العبشمي، قال: حدثنا ثبيت بن محمّد، قال: حدثنا أبو الأحوص المصري، قال: حدثنا جماعة من أهل العلم عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عن جده:، قال: بينما أميرالمؤمنين...» ورواه كذلك في علل الشرائع 1: 146 ح 2، ورواه الطبري الشيعي (ق4) في المسترشد: 371 ح 122، والشيخ المفيد (ت 413) في الإرشاد 1: 294 وقال: «وقد روى نقلة الآثار»، ورواه الخزاز القمي (ت400) في كفاية الأثر: 213 باختلاف كلّي، إلاّ أ نّه أورد قوله (عليه السلام) في النهاية: «فإن ترفع عنّا محن البلوى...» وقال: «حدثني عليّ بن الحسين بن مندة، قال: حدثنا محمّد بن الحسن الكوفي المعروف بأبي حكم، قال: حدثنا إسماعيل بن موسى بن إبراهيم، قال: حدثني سليمان بن حبيب، قال: حدثني شريك عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس». واستشهد ابن الأثير (ت 606) في النهاية 1: 330، 5: 199 ببعض فقراته.
[2] ـ الوضين: بِطان القتب وحزام السرج، ويقال للرجل المضطرب في أمره: انّه لقلق الوضين، وذلك انّ الوضين إذا قلق اضطرب القتب أو الهودج أو السرج ومَن عليه.
[3] ـ السدد والاستداد: الاستقامة والصواب، ومعناه انّك ترسل السؤال في غير صواب.
[4] ـ الذمام: الحرمة، وذهب القطب الراوندي إلى أنّ المصاهرة أتت من قبل تزويجه (عليه السلام) من بني أسد، ولكن ردّه ابن أبي الحديد بأنّ المصاهرة جاءت من قبل زينب بنت جحش زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكانت أسدية.
[5] ـ النوط: العلقة. قال ابن أبي الحديد في شرحه 9: 250 «نقلت له [أي نقيب البصرة يحيى بن محمّد العلوي] انّ لفظه (عليه السلام) يدل على انّه لم يكن نص عليه، ألا تراه يقول: «ونحن الأعلون نسباً والأشدون بالرسول نوطاً» فجعل الاحتجاج بالنسب وشدة القرب، فلو كان عليه نص لقال عوض ذلك: «وأنا المنصوص عليَّ المخطوب باسمي» فقال (رحمه الله): إنّما أتاه من حيث يعلم لا من حيث يجهل، ألا ترى انّه سأله فقال: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فهو انّما سأل عن دفعهم عنه وهم أحق به من جهة اللحمة والعترة، ولم يكن الأسدي يتصوّر النص ولا يعتقده ولا يخطر بباله لانّه لو كان هذا في نفسه لقال له: لِمَ دفعك الناس عن هذا المقام وقد نص عليك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟ ولم يقل له هذا، وإنّما قال كلاماً عاماً لبني هاشم كافة: كيف دفعكم قومكم عن هذا وأنتم أحق به، أي باعتبار الهاشمية والقربى، فأجابه بجواب أعاد قبله المعنى الذي تعلّق به الأسدي بعينه تمهيداً للجواب، فقال: انّما فعلوا ذلك مع انّا أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من غيرنا لأنّهم استأثروا علينا، ولو قال له:أنا منصوص عليَّ والمخطوب باسمي في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما كان قد أجابه، لأنّه ماسأله: هل أنت منصوص عليك أم لا؟ ولا هل نص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالخلافة على أحد أم لا؟ وانّما قال: لِمَ دفعكم قومكم عن الأمر وأنتم أقرب إلى ينبوعه ومعدنه منهم؟ فأجابه جواباً ينطبق على السؤال ويلائمه أيضاً، فلو أخذ يصرّح له بالنص ويعرّفه تفاصيل باطن الأمر لنفر عنه واتهمه ولم يقبل قوله ولم ينجذب إلى تصديقه، فكان أولى الاُمور في حكم السياسة وتدبير الناس أن يجيب بما لا نُفرة عنه، ولا مطعن عليه فيه».
[6] ـ الأثرة: الاستبداد بالشيء والتفرد به.
[7] ـ قال ابن الأثير في النهاية 1: 342 بعد ذكر استشهاد أميرالمؤمنين (عليه السلام) بهذا المصرع: هذا مثل للعرب يضرب لمن ذهب من ماله شيء، ثم ذهب بعده ما هو أجل منه، وهو صدر بيت لامرئ القيس:
فَـدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ وَلكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ
[8] ـ هلمّ: اذكر، والخطب: الأمر العظيم.
[9] ـ فوّاره: مصدر فار الماء إذا نبع وجرى، والينبوع: عين الماء.
[10] ـ جدحوا: خلصوا ومزجوا. الوبيء: ذو الوباء والمرض.