[172] ومن خطبة له (عليه السلام)([1])
الْـحَمْدُ لله الَّذِي لا تُوَارِي عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً، وَلا أَرْضٌ أَرْضاً.
منها: [في يوم الشورى]
وَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّكَ يَابْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَى هذَا الأَمْرِ لَـحَرِيصٌ. فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ أحْرَصُ وَأَبْعَدُ، وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي([2]) دُونَهُ، فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْـحُجَّةِ([3]) فِي الْـمَلَإِ الْـحَاضِرِينَ هَبَّ([4]) كَأَنَّهُ بُهِتَ لا يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ!
اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ([5]) عَلى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي، ثُمَّ قَالُوا: أَلاَ إنَّ فِي الْـحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْـحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ.
منها: في ذكر أصحاب الجمل
فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَمَا تُجَرُّ الأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَـهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا، فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَّا وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ، طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَه، فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْـمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً([6])، وَطَائِفَةً غَدْراً.
فَوَاللهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْـمُسْلِمِينَ إلَّا رَجُلاً وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ([7]) لِقَتْلِهِ، بِلاَ جُرْمٍ جَرَّهُ، لَحَلَّ لي قَتْلُ ذلِكَ الْـجَيْشِ كُلِّهِ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَلا يَدٍ. دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْـمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ([8])!
[1] ـ رواها باختلاف ابن قتيبة (ت 276) في الإمامة والسياسة 1: 176، والثقفي (ت 283) في الغارات 1: 308 عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه، ورواها الطبري الإمامي (ق 4) في المسترشد: 416 ح 141 عن الشعبي، عن شريح بن هاني، وقال ابن أبي الحديد 9: 305 «وقد رواه الناس كافة».
[2] ـ ضرب الوجه: كناية عن الرد والمنع.
[3] ـ القرع بالحجة: استعارة، والأصل في القرع ضرب الرأس بالعصا.
[4] ـ هبّ: استيقظ.
[5] ـ استعديت: استعنت.
[6] ـ القتل صبراً: أن تحبس الشخص ثم ترميه حتى يموت.
[7] ـ معتمدين: قاصدين.
[8] ـ أي لو كان المقتول واحداً لحلّ لي قتلهم كلّهم، فكيف وقد قتلوا من المسلمين عدّة مثل عدّتهم التي دخلوا بها البصرة.