[196] ومن خطبة له (عليه السلام)
[بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) والعظة بالزهد]
بَعَثَهُ حِينَ لا عَلَمٌ قَائِمٌ، وَلا مَنَارٌ سَاطِعٌ([1])، وَلا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ، وَمَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ، سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ، وَقَاطِنُهَا بَائِنٌ([2])، تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ تَصْفِقُهَا الْعَوَاصِفُ([3]) فِي لُـجَجِ الْبِحَارِ، فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ([4])، وَمِنْهُمُ النَّاجِي عَلى مُتُونِ الأَمْوَاجِ، تَحْفِزُهُ([5]) الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِـهَا، وَتَحْمِلُهُ عَلى أَهْوَالِـهَا، فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ، وَمَا نَجَا مِنْهَا فَإِلى مَهْلَكٍ!
عِبَادَ اللهِ، الآنَ فَاعْمَلوا، وَالأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ، وَالأَبدَانُ صَحِيحَةٌ، وَالأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ([6])، وَالْـمُنقَلَبُ فَسِيحٌ، وَالْـمَجَالُ عَرِيضٌ، قَبْلَ إِرْهَاقِ([7]) الْفَوْتِ، وَحُلُولِ الْـمَوْتِ، فَحَقّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ، وَلا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ.