[205] ومن كلام له(عليه السلام) كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة([1])
وقد عتبا من ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور بهما :
لَقَدْ نَقَمْتُما([2]) يَسِيراً، وَأَرْجَأْتُمَا([3]) كَثِيراً، أَلاَ تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْءٍ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ! وأَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ عَلَيْكُمَا بِهِ! أَمْ أَيُّ حَقّ ٍ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ، أَمْ جَهِلْتُهُ، أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ؟!
وَاللهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْـخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ، وَلا فِي الْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ، وَلكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا، وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا، وَأَمَرَنَا بِالْـحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ، وَمَا اسْتَسَنَّ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَاقْتَدَيْتُهُ، فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا، وَلا رَأْيِ غَيْرِكُمَا، وَلا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ، فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَإِخْوَانِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ؛ وَلَوْ كَانَ ذلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا، وَلا عَنْ غَيْرِكُمَا.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الأسْوَةِ([4])، فَإِنَّ ذلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي، وَلا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي، بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَأَنْتُما مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيَما قَدْ فَرَغَ اللهُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمَا، وَاللهِ، عِنْدِي وَلا لِغَيْرِكُمَا فِي هذَا عُتْبَى([5]). أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْـحَقِّ، وَألْـهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ. ثم قال(عليه السلام): رَحِمَ اللهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وَكَانَ عَوْناً بِالْـحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.
[1] ـ رواه باختلاف الاسكافي(ت220) في المعيار والموازنة: 113، ورواه ابن أبي الحديد في شرحه 7: 42 عن كتاب نقض العثمانية للاسكافي، وأشار الشيخ الطوسي(ت460) إلى بعض فقراته في الأمالي:732 ح5.
[2] ـ نقمتما: أنكرتما وعتبتما.
[3] ـ أرجأتما: أخّرتما.
[4] ـ أمر الأُسوة: أي المساواة بين الناس في العطاء.
[5] ـ العتبى: الرضا، أي لست ارضيكما بارتكاب ما لا يحلّ لي من ارتكابه.