[223] ومن كلام له (عليه السلام) ([1])
[يتبرّأ من الظلم]
وَاللهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً([2])، أَوْ أُجَرَّ فِي الأغْلاَلِ مُصَفَّداً([3])، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْـحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا([4])، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا!
وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ([5]) حَتَّى اسْتَماحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ([6]) [الشُّعُورِ، غُبرَ] الألْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ([7])، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ([8]) مُفَارِقاً طَرِيقِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ([9]) مِنْ أَلَـمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْترِقَ مِنْ مِيسَمِهَا([10])، فَقُلْتُ لَهُ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى وَلا أَئِنُّ مِنْ لَظَىً([11]) ؟!
وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ([12]) فِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا([13])؛ كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ!
فَقَالَ: لا ذَا وَلا ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْـهَبُولُ([14])!
أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي!
أَمُخْتَبِطٌ أَمْ ذُوجِنَّةٍ، أَمْ تَهْجُرُ!
وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الأقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ([15]) شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا([16])، مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى، وَلَذَّةٍ لا تَبْقَى! نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ([17])، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.
[1] ـ رواه باختلاف الشيخ الصدوق(ت381) في الأمالي:72 ح7 قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى الدقاق (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الطائي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب، قال: حدّثنا محمّد بن محسن، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عن أبيه :.
[2] ـ الحسك: الشوك، السعدان: نبت كثير الشوك. المسهّد: قليل النوم.
[3] ـ مصفّداً: مشدوداً موثّقاً.
[4] ـ قفولها: رجوعها.
[5] ـ أملق: افتقر.
[6] ـ الأشعث: مغبرّ الرأس.
[7] ـ العظلم: نبت يصبغ به.
[8] ـ القياد: ما يقاد به كالزمام.
[9] ـ الدَنَف: المرض الملازم.
[10] ـ الميسم: المكواة.
[11] ـ لظى: اسم من أسماء النار.
[12] ـ الملفوفة: نوع من الحلواء أهداها الأشعث بن قيس إلى عليّ(عليه السلام).
[13] ـ شنئتها: أبغضتها وكرهتها.
[14] ـ هبلتك: ثكلتك، والهَبول ـ بفتح الهاء ـ : المرأة لا يعيش لها ولد.
[15] ـ الجلب: قشر الشعيرة.
[16] ـ القضم: الأكل بأطراف الأسنان.
[17] ـ سبات العقل: نومه، والزلل: السقوط في الخطأ.