[225] ومن خطبة له (عليه السلام)([1])
[في التنفير من الدنيا]
دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ، لَاتَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلَايَسْلَمُ نُزَّالُهَا. أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ([2])، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ، وَالأمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتهْدَفَةٌ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا، وَتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا.
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّكُم وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ، مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً، وَأَعْمَرَ دِيَاراً، وَأَبْعَدَ آثَاراً، أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً، وَرِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً، وَأَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً، وَدِيَارُهُمْ خَالِيَةً، وَآثَارُهُمْ عَافِيَةً([3])، فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْـمُشَيَّدَةِ، وَالـنَّمارِقِ([4]) الْـمُمَهَّدَةِ([5])، الصُّخُورَ وَالأحْجَارَ الْـمُسَنَّدَةَ، وَالْقُبُورَ اللَّاطِئَةَ([6]) الْـمُلْحَدَةَ([7])، الَّتي قَدْ بُنِيَ عَلَى الْـخَرَابِ فِنَاؤُهَا، وَشُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا، فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ، بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّةٍ مُوحِشِينَ، وَأهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِينَ، لاَيَسْتَأْنِسُونَ بِالأَوْطَانِ، وَلا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيْرَانِ، عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ، وَدُنُوِّ الدَّارِ، وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ، وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ([8]) الْبِلَى، وَأَكَلَتْهُمُ الْـجَنَادِلُ وَالثَّرَى([9])!
وَكَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَاروا إِلَيْهِ، وَارْتَهَنَكُمْ ذلِكَ الْـمَضْجَعُ، وَضَمَّكُمْ ذلِكَ الْـمُسْتَوْدَعُ، فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الأُمُورُ، وبُعْثِرَتِ الْقُبُورُ!
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْـحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كَانُوا يفْتَرُون.
[1] ـ ورد نحوها في مصادر متأخرة عن الرضي أمثال: الخوارزمي (ت 568 هـ) في المناقب: 370 ح 389، وابن عساكر (ت 571 هـ) في تاريخ دمشق 42: 500، وسبط ابن الجوزي (ت 654 هـ) في تذكرة الخواص: 116 الباب السادس.
[2] ـ تارات: مرّات، ومتصرفة: متحوّلة.
[3] ـ عافية: مندرسة.
[4] ـ النمارق جمع نمرقة: الوسادة الصغيرة.
[5] ـ الممهدة: المفروشة.
[6] ـ اللاطئة: أي اللاصقة.
[7] ـ الملحدة: من ألحد القبر جعل له لحداً أي شقاً في وسطه أو جانبه.
[8] ـ الكلكل: الصدر.
[9] ـ الجنادل: الحجارة، والثرى: التراب.