العربية
100%
مقالات

بكاء السماء على الإمام الحسين (عليه السلام)

د. عصام كاظم الغالبيّ

لطالما أنكر علينا المخالفون بكاءنا على إمامنا الحسين، وهم يستهجنون علينا ذلك ويقولون إنكم تبكون على رجل مات منذ نحو أربعة عشر قرناً من الزمن، والغريب أنّنا في أغلب الأحيان نسوّغ بكاءنا على إمامنا بأنّه سبط رسول الله وابن عليّ وفاطمة وأنّه استشهد من أجل إعلاء راية لا إله إلا الله، وقليل منّا من يستشهد بالروايات الواردة في البكاء .

البكاء على الحسين (عليه السلام)
والروايات الخاصة بالبكاء على الإمام الحسين مستفيضة ، وفيها أن أول من بكى على الحسين هو رسول الله صلى الله عليه وآله حين وُلد الحسين ، ومن الروايات ما كان فيها الثواب العظيم لمن بكى أو تباكى على الإمام عليه السلام.
ولو ذكرنا هذه الروايات أمام الطرف الآخر لأنكروها علينا وقالوا إنها موضوعة واتهمونا بالغلو في حب الحسين والمبالغة في عواطفنا لذا لا بدّ من الإتيان ببعض الروايات من كتبهم المعتمدة لتكون الحجة عليهم أقوى وأثبت، وحين كنت أبحث في تفاسير العامة عما ورد عن إمامنا الحسين وجدت أن مفسّريهم لم يغفلوا ذكر البكاء عليه ، فكثير منهم ذكروا البكاء على الحسين حين فسروا قوله تعالى من سورة الدخان الآية( 29) : ((فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ )) ، وفيما يأتي ذكر ما أوردوه بشأن البكاء على الإمام الحسين في تفسير هذه الآية .

تفسير بكاء السماء في سورة الدخان عند العامة
فقد ورد في تفسير الكشف والبيان للثعلبي قوله : وقال السدي : لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السّماء، وبكاؤها حمرتها.
وقال : حدثنا خالد بن خداش، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد بن سيرين، قال : أخبرونا أنّ الحمرة الّتي مع الشفق لم تكن ، حتّى قتل الحسين.
وقال : أخبرنا ابن بكر الخوارزمي، حدثنا أبو العياض الدعولي، حدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، وبه عن أبي خيثمة، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا سليم القاضي، قال : مُطِرنا دمًا أيام قتل الحسين. الكشف والبيان 12 / 121.
وذكر صاحب تفسير المحرر الوجيز قول السدي وعطاء : بكاء السماء : حمرة أطرافها، وقالوا إن السماء احمرّت يوم قتل الحسين بن علي ، وكان ذلك بكاء عليه. المحرر الوجيز 6 / 91.
وروى المفسر الطبري قائلا : حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن الحكم بن ظهير، عن السديّ قال: لما قتل الحسين بن عليّ رضوان الله عليهما بكت السماء عليه، وبكاؤها حمرتها. تفسير الطبري 22 / 33.
وذكر صاحب تفسير النكت والعيون في بكاء السماء والأرض ثلاثة أوجه ثانيها أنه حمرة أطرافها ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعطاء ، ثم قال : وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمرّت له آفاق السماء أربعة أشهر ، واحمرارها بكاؤها. النكت والعيون 4 / 100 .
وفي تفسير البغوي ما يشبه ما ورد سابقا ، فقد نقل قول عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها، وقول السدي: لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء، وبكاؤها حمرتها . البغوي 7 / 232.
ومثله ما ورد في تفسير السراج المنير ناقلا عن السدي قوله : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما: بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها السراج المنير 1/4050.
وورد في تفسير القرطبي « قال السدي : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال : لما قتل الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي عنهما احمرّ له آفاق السماء أربعة أشهر قال يزيد : واحمرارها بكاؤها ، وقال محمد بن سيرين : أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وقال سليمان القاضي : مُطِرنا دمًا يوم قتل الحسين، القرطبي 16 / 121.
ومن المفسرين من حاولوا أن يجعلوا بكاء السماء عامّا لكل مؤمن فروَوا أن المؤمن إذا مات بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، وهذا مردود بما رواه القرطبي والسيوطي عن قرة قال : ما بكت السماء على أحد ، إلا على يحيى بن زكريا ، والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها . تفسير القرطبي : 10 / 191 ، والدر المنثور 6 / 447.

أسلوب القصر في الرواية
ومعلوم لدى علماء اللغة العربية أن النفي والاستثناء اذا اجتمعا يكوّنان أسلوباً في العربية يسمّى أسلوب القصر ، والرواية السابقة فيها أسلوب القصر ومعناها أن بكاء السماء لم يكن على كل أحد بل هو مقصور على النبيّ يحيى بن زكريا وإمامنا الحسين عليهما السلام.
مما تقدّم يثبت أن البكاء على إمامنا الحسين ليس مقصورا على شيعته ولا على الناس فقط ، وإنما بكته السماء واحمرّت آفاقها أربعة أشهر ، وختاما أقول لكل من لا يبكي على إمامنا الحسين : ما لكم لا تبكون على الإمام الحسين وقد بكته السماء؟؟!!.

نشرت في الولاية العدد 87