العربية
100%
مقالات

جزاء قاتلي الإمام الحسين (عليه السلام)

- حُكي عن السدّي قال: أضافني رجل في ليلة كنت أحبُّ الجليس، فرحّبت به وأكرمته، وجلسنا نتسامر، وإذا به ينطلق بالكلام كالسيل إذا قصد الحضيض، فطرقت له فانتهى في سمره إلى طفّ كربلاء، وكان قريب العهد من قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، فتأوّهت وتزفّرت، فقال: ما لك؟ قال السدّي: ذكرتَ مصاباً يهون عنده كلّ مصاب.

قال الرجل: أما كنت حاضراً يوم الطفّ؟ قال السدّي: لا والحمد لله.

قال الرجل: أراك تحمد، على أيّ شيء؟! قال السدّي: على الخلاص من دم الحسين(عليه السلام)، لأنّ جدّه (صلى الله عليه وآله) قال: (إنّ مَن طُولِبَ بدم ولدي الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان)[1].

قال الرجل: هكذا قال جدّه(صلى الله عليه وآله)؟ قال السدّي: نعم، وقال (صلى الله عليه وآله): (ولدي الحسين يُقتل ظلماً وعدواناً، أَلا ومَن قتله يدخل في تابوت من نار، ويُعذّب بعذاب نصفِ أهل النار، هو ومَن شايع وبايع أو رضي بذلك، كُلّما نضجت جلودهم بُدِّلوا بجلود غيرها؛ ليذوقوا العذاب، فالويل لهم من عذاب جهنّم).

قال الرجل: لا تصدّق هذا الكلام يا أخي؟ قال السدّي: كيف هذا وقد قال (صلى الله عليه وآله): (لا كَذِبتُ وَلا كُذِّبتُ).

قال الرجل: ترى قالوا: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (قاتل ولدي الحسين لا يطول عمره، وها أنا وحقّك قد تجاوزت التسعين مع أنّك ما تعرفني)، قال السدّي: لا والله.

قال الرجل: أنا الأخنس بن زيد، قال السدّي: وما صنعت يوم الطف؟

قال الأخنس: أنا الذي أُمّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطئ جسم الحسين بسنابك الخيل، وهشمت أضلاعه، وجررت نطعاً من تحت عليّ بن الحسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه، وخرمت اُذني صفية بنت الحسين، لقرطين كانا في أُذنيها.

قال السدّي: فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً، وخرجت أُعالج على إهلاكه، وإذا بالسراج قد ضعفت، فقمت أزهرها.

فقال: اجلس، وهو يحكي متعجّباً من نفسه وسلامته، ومدّ إصبعه ليزهرها فاشتعلت به، ففركها في التراب فلم تنطفِ، فصاح بي: أدركني يا أخي، فكببت الشربة عليها وأنا غير محبٍّ لذلك، فلمّا شمّت النار رائحة الماء ازدادت قوّة، وصاح بي: ما هذه النار وما يطفئها؟!!

قلت: ألقِ نفسك في النهر، فرمى بنفسه، فكلّما ركس جسمه في الماء اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الريح البارح، هذا وأنا أنظره، فوالله الذي لا إله إلّا هو، لم تُطفأ حتّى صار فحماً، وسار على وجه الماء!![2].

- وروي عن عبد الله بن رباح القاضي أنّه قال: لقيت رجلاً مكفوفاً قد شهد قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، فسُئل عن بصره، فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة، غير أنّي لم أطعن برمح ولم أضرب بسيف ولم أرمِ بسهم، فلمّا قُتل(عليه السلام) رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة ونمتُ، فأتاني آتٍ في منامي فقال: أجب رسول الله!! فقلت: ما لي وله؟

فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه، فإذا النبيّ(صلى الله عليه وآله) جالس في صحراء، حاسر عن ذارعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه، وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلّما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً!! فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يردّ (صلى الله عليه وآله) عليّ.

ومكث طويلاً، ثمّ رفع رأسه وقال (صلى الله عليه وآله): (يا عدوّ الله، انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترعَ حقِّي، وفعلت وفعلت).

فقلت: يا رسول الله، ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال(صلى الله عليه وآله): (صدقتَ، ولكنّك كثّرت السواد، أُدنُ مِنِّي)، فدنوت منه، فإذا بطشت مملوء دماً، فقال(صلى الله عليه وآله) لي: (هذا دم ولدي الحسين)، فكحّلني من ذلك الدم، فاحترقت عيناي، فانتبهت لا أبصر شيئاً[3].

- ورئي رجل بلا يدين ولا رجلين، وهو أعمى يقول: ربّي نجّني من النار، فقيل له: لم يبقَ عليك عقوبة، وأنت تسأل النجاة من النار؟!

قال: إنّي كنت فيمن قاتل الحسين(عليه السلام) في كربلاء، فلمّا رأيت عليه سراويل وتكّة حسنة، فأردت أن انتزع التكّة، فرفع يده اليمنى ووضعها على التكّة، فلم أقدر على رفعها، فقطعت يمينه(عليه السلام).

ثمّ أردت أنتزاع التكّة فرفع شماله ووضعها على التكّة، فلم أقدر رفعها فقطعت شماله(عليه السلام)، ثمّ هممت بنزع السراويل، فسمعت زلزلة فخفت وتركته، فألقى الله عليّ النوم فنمت بين القتلى، فرأيت كأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أقبل، ومعه عليّ وفاطمة والحسن(عليهم السلام)، فأخذوا رأس الحسين(عليه السلام) فقبّلته فاطمة(عليها السلام) وقالت: (يا بني قتلوك!! قتلهم الله).

وكأنّه(عليه السلام) يقول: (ذَبَحَنِي شمرٌ، وقطع يدي هذا النائم)، وأشار إليّ، فقالت لي فاطمة(عليها السلام): (قَطعَ الله يديكَ ورجليكَ، وأعمى بصرك، وأدخلك النار).

فانتبهت وأنا لا أبصر شيئاً، ثمّ سقطت يداي ورجلاي، فلم يبقَ من دعائها إلّا النار[4]

والحمدُ لله ربِّ العالمين وسلامٌ على عبـاده الذيـن اصطفى محمـد وآله الطاهرين، تمّ بحمد الله.

 


[1] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج45، ص321.

[2] مدينة المعاجز لسيد هاشم البحراني: ج4، ص95.

[3] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج45، ص321.

[4] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج45، ص311.