يتوج الحرم العَلَوي المقدس قبة مزدوجة خارجية وداخلية. فالقبة الخارجية الذهبية هي بصلية الشكل رائعة المنظر وتعد أعلى قباب أضرحة الأئمة المعصومين عليهم السلام إذ يبلغ ارتفاعها عن أرض الصحن الشريف 30 م - الى حد عقدة البناء- فيما يبلغ قطرها 16.6 م ومحيطها 51.85 م.
وتمتاز القبة برقبة طويلة يبلغ ارتفاعها5.60م[1]. وللقبة 12 شباكاً يرمز العدد فيها الى أئمتنا المعصومين الإثني عشر (عليهم السلام). [2]
يطوق القبة الشريفة من الخارج شريط من المينا الزرقاء بارتفاع 1.46م، نقشت عليه بحروف ذهبية بارزة الآيات العشر الاولى من سورة الفتح وهي قوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً } سورة الفتح 1-10.
وقسمت مساحة الشريط طولياً إلى97سم في الوسط لكتابة الآية القرآنية الشريفة، وشريط في الأعلى وآخر في الأسفل بارتفاع 24سم، كتبت عليه أبيات من الشعر الفارسي[3].
ومن الجدير بالذكر ان الاكليل الذهبي (الشعاع والكف) قد وضع في أعلى القبة عند تذهيبها في عهد السلطان نادر شاه. ويبلغ الإرتفاع الكلي للأكليل مع الرمانة التي يرتكز عليها 473,5 سم. ولهذا الاكليل رمزية عقائدية مستوحاة من فكر أهل البيت عليهم السلام[4] ، إذ يتكون من طُرّة دائرية الشكل تمثل قرص الشمس يبرز منها أربعة عشر شعاعاً ترمز للمعصومين الأربعة عشر (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم) وفيها إشارة إلى أنَّ أهل البيت عليهم السلام هم نور الله[5]. ويوجد في وسط الدائرة قلب يتألف من جزئين مثبت حول محور, ولهذا القلب القابلية على الحركة والدوران بفعل الهواء, والإشارة هنا واضحة لكل لبيب وتعني انَّ مدار كل الدائرات هو على القُطب[6]. ويعلو الطُرّة كف كُتب براحته الآية القرآنية }يدُ اللهِ فَوْقَ أَيْديهمْ{سورة الفتح الآية 10، ولا يخفى انَّ الرمزية في الكف تشير إلى الخمسة أهل الكساء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم وإلى بيعة امير المؤمنين (عليه السلام)[7].
اما القبة الداخلية التي تعلو الضريح المقدس فهي محدبة الشكل على هيئة نصف كرة مستديرة تقريباً تستند على أربع ركائز كبيرة, ويبلغ ارتفاعها عن أرض الحرم23.50م وقطرها 13.5م وفيها 12 شباكاً لتهوية الحرم المطهر وإضاءته.
ويُرى باطن القبة مطرزاً بالفسيفساء والقاشاني الجميل والزخارف الهندسية الرائعة, وغُلفت ركائز القبة والعقود الفاصلة بينها بقطع المرايا العاكسة، ويعلو الشبابيك شريط يطوق القبة من الداخل كتب عليه سورة الفجر، ويوجد شريط آخر أكثر عرضاً أسفل الشبابيك كتب عليه سورة النبأ التي يؤطرها من الأعلى والأسفل 48 بيت شعري من عينية ابن أبي الحديد المعتزلي التي مطلعها:
يا رسمُ لا رَسمتكَ ريحٌ زعزعُ *** وسَرَتْ بليل في عراصِك خروعُ
وذكر نيبور في رحلته المشهورة عام 1178هـ /1765م عندما زار النجف الأشرف أنه:(ليس هناك في أي مبنى في العالم سقف أثمن من هذا السقف) [8].
اصلاحات القبة العلوية المنورة:
منذ اكتمال بناء القبة العلوية المطهرة في عهد الشاه صفي الصفوي جرت على القبة الشريفة اصلاحات عدة في فترات زمنية مختلفة وكما يأتي:
أولاً: قيام الوالي العثماني حسن باشا عام 1129هـ/1717م بترميم القبة التي كانت مغشاة بالقاشاني الازرق[9].
ثانياً: قيام السلطان نادر شاه الأفشاري في عام 1155هـ/1742م بقلع القاشاني عن القبة والمنارتين والايوان الشرقي الكبير وابداله بالصفائح الذهبية.
ثالثاً: في شهر ذي الحجة من 1304هـ/ 1886م جرى ترميم القبة الشريفة بعد إصابتها بشقوق اذ تم قلع الصفائح الذهبية وسد الشقوق وتدعيم القبة بطوقين حديدين بإشراف ومن ثم أعيدت اليها الصفائح الذهبية كما كانت, وكان العمل بأشراف المعمار الحاج محسن والنجار حسين الشمس. وكان الفراغ من العمل في آخر شهر ربيع الاول من عام 1305هـ/1887م.
رابعاً: ابتدأ هذا الاصلاح في عام 1347هـ/1928م واكتمل في شهر ربيع الثاني من عام 1348هـ/1929م, اذ اخذت مياه الأمطار بالتسرب الى داخل القبة فتم رفع الصفائح الذهبية وسد الشقوق والفرج بإشراف الحاج سعيد نجل الحاج محسن المعمار.
خامساً: في عام 1372هـ/1953م حدثت بعض الشقوق في محيط القبة الذهبية, فتم تكليف الحاج سعيد المعمار مجددا بصلاح هذه التصدعات فتم الكشف عنها وترميمها بالطابوق والجص والبورك مع اضافة اطواق حديدية مغلفة بالإسمنت بدلا من الدفين الخشبي البالي. وكان هذا العمل جزء من اعمال اخرى في المرقد المقدس كانت بإشراف رئيس لجنة تعميرات الروضة الحيدرية وهو قائمقام قضاء النجف الاشرف يومذاك.
سادساً: حدث تصدع كبير في القبة المنورة في منتصف العقد السادس من القرن العشرين بفعل الظروف المناخية فابتدأ العمل بترميمها في سنة 1388هـ/1968م بتبرع من التاجر النجفي الحاج محمد رشاد مرزة وبإذن من مرجع الطائفة السيد محسن الحكيم "قدس سره" اذ تم ترميم وتجديد القبتين الداخلية والخارجية من خلال نقض البناء القديم تدريجيا من اجل الحفاظ على هندسة العمارة الاصلية واستخراج الاخشاب المتآكلة وتدعيم البناء بسلسلة من القضبان الحديدية والاسمنت, اضافة الى اعادة تذهيب صفائح القبة العلوية المنورة وانتهى العمل في سنة 1391هـ/1971[10].
سابعاً: في عام1411هـ/1991م تعرضت القبة العلوية المقدسة الى قصف مدفعي من ازلام النظام البعثي البائد إثر الانتفاضة الشعبانية المباركة، وقد أصيبت القبة الخارجية بإصابات بليغة وبخاصة من الجهة الشمالية، وبعد انتهاء الاحداث جرى اصلاح القبة وترقيع الاماكن المتضررة من القبة بصفائح جديدة يمكن تمييزها عن الصفائح الأصلية القديمة[11].
ثامناً: بعد انتهاء حكم النظام البعثي في العراق عام 1424هـ/2003م وإناطة مسؤولية الاشراف على العتبات المقدسة الى المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الاشرف, جرى الاصلاح الأهم على القبة المنورة بموافقة وتوجيه المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله", إذ تضمنت المرحلة الأولى قيام الكوادر الهندسية المتخصصة في العتبة العباسية المقدسة بإعادة تذهيب رقبة القبّة, واكتملت هذه المرحلة في عام 2014م.
أما المرحلة الثانية من المشروع المتمثلة بتذهيب القسم العلوي للقبّة فقد أُسندت إلى مؤسسة الكوثر الإيرانية بالتعاون مع كوادر فنية متخصصة من العتبة العلوية المقدسة.
وفي شهر صفر عام 1436هـ/ كانون الاول عام 2014م تم نصب الركائز الحديدية حول القبّة واكتمل قلع جميع الصفائح الذهبية في جمادى الآخر عام 1436هـ/ نيسان عام 2015م, وابتدأ العمل بترميم القبة وتدعيمها بأحدث وسائل البناء الحديثة, ومن ثم اعادة تذهيب الصفائح الاصلية واعادتها لأماكنها على القبة. وفي يوم 17 ربيع الأول عام 1438هـ الموافق 17 كانون الأول عام 2016م الذي توافق مع ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وولادة حفيده الامام جعفر الصادق عليه السلام, اكتمل العمل وأزيح الستار في احتفال بهيج عن القبّة المنورة لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام بعد إعادة تذهيبها[12].