ورد الاستدلال على عصمة الأئمة (عليهم السلام) بأدلة متعددة نقلية وعقلية، والنقلية نصاً وظاهراً واستفادة، فأما الأدلة القرآنية:
منها: آية التطهير: إن من أوضح معاني العصمة تمثلت بقوله تعالى في آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً) (الأحزاب:33). فإذهاب الرجس وإرادته التطهير معناً جلياً عن العصمة.
ومنها: آية ولاة الأمر: وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم) (النساء:59). فهنا يمكن القول بلزوم عصمة أولي الأمر لمحل الطاعة المطلقة لهم المقترنة بالطاعة المطلقة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الإطلاق في الطاعة لازمه ثبوت العصمة، لان مع افتراض عدم العصمة معناه احتمال وقوع المعصية، ومع هذا الاحتمال لا يصح الإيجاب المذكور في الآية الكريمة بالإطاعة المطلقة لأولي الأمر لأنه ترخيص في إتباع الباطل - أي عند فرض عدم العصمة واحتمال صدور الخطأ - وهو باطل جزماً، وبهذا تثبت عصمة أولي الأمر. وهناك آيات أخرى لا مجال لذكرها هنا تجدونها في كتب الكلام والعقائد.
وأما الأدلة من السنة الشريفة، فهنالك أحاديث كثيرة ومتواترة:
منها: حديث الثقلين: وهو حديث متواتر لدى الفريقين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) (أمالي الشيخ الصدوق: ص500). حيث نصّ النبيّ (صلّى الله وعليه وآله) على أنّ القران والعترة هما الخليفتان من بعده، وأنهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، وإن أهل البيت (عليهم السلام) معصومون كما هو شأن القرآن في العصمة الذي ثبت أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه... فهذا هو معنى عدم الافتراق، أمّا العترة التي تعصي أو تخطأ، فهي مفارقة للقران حالة العصيان والخطأ.
ومنها: حديث الغدير: وهو حيث متواتر أيضاً لدى الفريقين حيث قال (صلّى الله وعليه وآله): (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) (دلائل الإمامة: ص18. سنن الترمذي: ج5، ص633، ح3713). والمولى هو مَن تجب طاعته، ولا تصحّ الإطاعة بشكل مطلق إلاّ بالنسبة إلى المعصوم.
ومنها: ما يدل على عصمة الأئمة (عليهم السلام) وعصمة عليّ (عليه السلام) بالذات قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) (البحار: ج38، ص35. المستدرك: ج3، ص124).
ومنها: قول الإمام الصادق (عليه السلام): (نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا) (الكافي: ج1، ص369).
ومنها: ما يستفاد منه معنى العصمة أيضاً قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من سّره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربّى، فليوالي عليّاً من بعدي، وليوالي وليّه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزُقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّبين فيهم من أُمّتي، القاطعين في صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) (مقتضب الأثر: ص16. حلية الأولياء: ج1، ص68).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة والمتواترة تجدونها في كتب الحديث.
وإما الدليل العقلي على عصمة الإمام (عليه السلام): هو نفس الدليل العقلي على عصمة النبيّ (صلّى الله وعليه وآله)؛ لأنّ الإمام امتداد للنبيّ (صلّى الله وعليه وآله)، ومنصوص من قبل النبيّ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، فالعقل الدّال على أنّ الله تعالى لا يمكن أن يبعث نبياً غير معصوم يدلّ أيضاً على أنّ الله تعالى لا يمكن أن ينصب إماماً غير معصوم.
فالعقل يحكم بلزوم عصمة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)؛ لأنّ طاعتهم واجبة في كلّ ما يأمرون به وينهون عنه. ومن القبيح على الحكيم تعالى، أن يفرض طاعة مَن لا يؤمن عليه، من الكذب والخطأ والمعصية، فإنّ ذلك نقض للغرض؛ لأنّ الله تعالى أوجب طاعة الأنبياء والأئمة عليهم السلام في كلّ ما يقولون، لأجل هداية البشر وإرشادهم وإيصالهم إلى الكمال الدنيوي والأُخروي؛ فلا محالة لا بدّ أن يكون الهادي والمرشد معصوماً من الخطأ والسهو والنسيان والكذب والمعصية، ليمكن الاعتماد عليه، والأخذ بهداه، وإرشاداته.