كانت هذه الغزوة في شوال سنة ثمان من الهجرة. وحنين وادٍ بينه وبين مكَّة ثلاث ليال. (ابن سعد في طبقاته: ج 2، ص 114)
وقد بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ هوازن قد جمعت بحنين جمعاً كبيراً تريد غزو المسلمين وقتالهم، فخرج إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جيش عظيم عدَّتهم اثنا عشر ألفاً، فقال بعضهم: ما نُؤتى من قلَّة، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك من قولهم.
وكان لواء المهاجرين مع عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) (طبقات ابن سعد: ج 2، ص 114)، ووزَّع بقية الرايات على قادة الجيش وزعماء القبائل.
يروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنَّه قال: "لمَّا استقبلنا وادي حُنين، انحدرنا في وادٍ أجوف حَطُوطٍ، إنّما ننحدر فيه انحداراً في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه، قد أجمعوا وتهيّأوا وأعدّوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطُّون إلّا والكتائب قد شدَّت علينا شدَّة رجل واحد، فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد على أحد.. إلّا أنَّه قد بقي مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته عليهم السلام". (انظر الكامل في التاريخ: ج 2، ص 136) وعلى أيِّ الأحوال فلقد اتَّفق المؤرِّخون على أنَّ عليَّاً (عليه السلام) وأكثر بني هاشم ثبتوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك الأزمة(انظر: طبقات ابن سعد: ج 2، ص 115 - ابن الأثير في تاريخه: ج 2، ص 136 - تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 62 - إعلام الورى: ج 1، ص 368)، كان عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) يذبُّ الناس بسيفه ويفرِّقهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كانت أكثر مواقفه في الحروب التي مضت، فلم يستطع أحد أن يدنو من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا جدله بسيفه.
وكان رجل من هوازن على جمل أحمر بيده راية سوداء أمام الناس، فإذا أدرك رجلاً طعنه، ثُمَّ رفع رايته لمن وراءه فاتَّبعوه، فحمل عليه عليٌّ (عليه السلام) فقتله (ابن الأثير في تاريخه: ج 2، ص 137)، فكانت الهزيمة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعبَّاس: "صِحْ للأنصار" وكان صيِّتاً، فنادى: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمُرة، يا أصحاب سورة البقرة! فأقبلوا كأنَّهم الإبل إذا حنَّت على أولادها، يقولون: يا لبَّيك يا لبَّيك! فحملوا على المشركين، فأشرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إلى قتالهم فقال: "الآن حمي الوطيس"! وهو أول من قالها، ثُمَّ قال: "أنا النبيُّ لا كذبْ أنا ابن عبد المطَّلب". (طبقات ابن سعد: ج 2، ص 115، الكامل في التاريخ: ج 2، ص 137)
واقتتل الناس قتالاً شديداً، وأخذ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، فكانت الهزيمة. (ابن الأثير في تاريخه: ج 2، ص 137) وقيل: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قتل منهم أربعين رجلاً (إعلام الورى: ج 1، ص 387، وروى ذلك المفيد في الارشاد: ج 1، ص 144)، واستشهد من المسلمين أيمن ابن أمِّ أيمن، ويزيد بن زَمعَة بن الأسود بن المطَّلب بن عبد العُزَّى وغيرهما. (الكامل في التاريخ: ج 2، ص 139)