كانت غزوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تبوك في رجب سنة تسع من مُهاجره (صلى الله عليه وآله)[1].
لمَّا بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام. لغزو المسلمين في ديارهم، لم يتردَّد في مواجهة تلك الجيوش، فأمر الناس بالتجهُّز لغزو الروم، وأعلم الناس مقصدهم، لبعد الطريق وشدَّة الحر وقوَّة العدو.. لذلك يسمى بجيش العسرة، وهي آخر غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسير في أصحابه، حتى قدم تبوك في ثلاثين ألفاً من الناس، والخيل عشرة آلاف. واستعمل على المدينة علياً (عليه السلام) وقال له: (تقيم أو أقيم)، (إنَّه لابدَّ للمدينة منِّي أو منّك)[2]، "إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك"[3].
وهذه هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان بقاؤه (عليه السلام) في المدينة أمراً تفرضه مصلحة الإسلام، بعدما ظهر للنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمر المنافقين، فإنَّ بقاءهم بالمدينة يشكِّل خطراً على الدعوة.
فأُرجِفَ المنافقون بعلي (عليه السلام) وقالوا: ما خلَّفه إلّا استثقالاً له! فلمَّا سمع عليٌّ (عليه السلام) ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: "كذبوا، وإنَّما خلفتك لما ورائي، أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي"[4]، فقال: "قد رضيت، قد رضيت"[5]، ثُمَّ رجع إلى المدينة وسار رسول الله بجيشه.
وفي رواية الشيخ المفيد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: "ارجع يا أخي إلى مكانك، فإن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي". (الارشاد: ج 1، ص 156)