لمَّا بلغ عليَّاً (عليه السلام) قتل الخوارج لعبد الله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم، قال المسلمون الذين معه: يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إلى القوم، فإذا فرغنا منهم سرنا الى عدوِّنا من أهل الشام.
فرجع (عليه السلام) بجنده الذين ذعروا على أهليهم من خطر الخوارج، والتقت الفئتان في النهروان، فلم يبدأهم الإمام (عليه السلام) بحرب، حتى دعاهم إلى الحجَّة والبرهان، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم، لكنَّهم أصرُّوا على العمى والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام (عليه السلام)، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه، حتى لم يبقَ لديهم حجَّة، وحتى رجع أكثرهم وتاب، وممَّن رجع يومذاك إلى رشده: عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم[أنظر: الكامل في التاريخ: ج 3، ص 343، تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 191 ـ 193، البداية والنهاية: ج 7، ص 319 ـ 320]. وأبى بعضهم إلّا القتال!!
وتعبّأ الفريقان، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر، فقال (عليه السلام): "والله ما عبروا، ولا يقطعونه، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر"، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو (عليه السلام) يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه " والله لا يفلتُ منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة"! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ (عليه السلام)، فأدركوهم دون النهر، فكبَّروا، فقال الإمام (عليه السلام): "والله ما كذبتُ ولا كُذبت"[نهج البلاغة: الخطبة 59].
وكان عليٌّ (عليه السلام) قد قال لأصحابه: "كُفُّوا عنهم حتى يبدؤوكم"، فتنادوا: الرواح إلى الجنَّة! وحملوا على الناس [الكامل في التاريخ: ج 3، ص 223].
واستعرت الحرب، واستبسل أصحاب الإمام (عليه السلام) استبسالاً ليس له نظير، فلم ينجُ من الخوارج إلّا ثمانية فرُّوا هنا وهناك، ولم يُقتل من أصحاب الإمام (عليه السلام) غير تسعة، وقيل: سبعة [م. ن: ج 3، ص 223 ـ 226، البداية والنهاية: ج 7، ص 320].
وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم، وقد روى جماعة أنَّ عليَّاً (عليه السلام) كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، علامتهم رجل مُخدَج اليد، سمعوا ذلك منه مراراً [أنظر أخبار المخدج في: إعلام الورى: ج 1، ص 338 ـ 339، الكامل في التاريخ: ج 3، ص 222 ـ 223].
فقال الإمام (عليه السلام): "اطلبوا ذي الثُديَّة"، فقال بعضهم: ما نجده، وقال آخرون: ما هو فيهم، وهو يقول: "والله إنَّه لفيهم! والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ" وانطلق معهم يفتِّشون عنه بين القتلى حتى عثروا عليه، ورأوه كما وصفه لهم، قال: "الله أكبر، ما كذبتُ ولا كُذبت، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قصَّ الله على لسان نبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن قاتلهم، مستبصراً في قتالهم، عارفاً للحقِّ الذي نحن عليه"[أنظر قصَّة مقتل ذي الثُديَّة في: الكامل في التاريخ: ج 3، ص 222 ـ 223، البداية والنهاية: ج 7، ص 320، سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): ص 282، وأخرج مسلم: ج 3، ص 116].
وقال (عليه السلام) حين مرَّ بهم وهم صرعى: "بؤساً لكم! لقد ضرَّكم من غرَّكم"!
قالوا: يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم؟ قال: "الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء، غرَّتهم بالأماني، وزيَّنت لهم المعاصي، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون"[الكامل في التاريخ: ج 3، ص 223].
فقالوا: الحمد لله ـ يا أمير المؤمنين ـ الذي قطع دابرهم، فقال (عليه السلام): "كلا والله، إنَّهم نطف في أصلاب الرجال، وقرارات النساء"[نهج البلاغة: الخطبة 60]!
المفاهيم الرئيسة
1- إن سياسة الإمام علي (عليه السلام) العادلة وشعاره الذي رفعه أنّه "لا فضل لعربي على أعجمي" السبب الرئيس لخروج من خرج عليه ولنكوث بيعته.
2- لمّا انتهت فتنة الجمل استعد الإمام (عليه السلام) إلى حرب معاوية وذلك بعد رسائل ودعوات منه (عليه السلام) إلى معاوية للدخول في الطاعة لكنّه أبى، فقاتلهم (عليه السلام) قتالاً شديد وكاد يقطع رأس الفتنة لولا قضية التحكيم التي حالة دون تحقيق الهدف المنشود.
3- بعد قتل الخوارج لمبعوثي الإمام علي (عليه السلام) إليهم عزم أمير المؤمنين (عليه السلام) على قتالهم فخرج إليهم في النهروان بعد أن دعاهم إلى العودة إلى حكم الله وأبوا ذلك.
4- قال الإمام علي (عليه السلام) لأصحابه "كُفُّوا عنهم حتى يبدؤوكم".
5- انجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم جميعاً إلا ثمانية فرّوا هنا وهناك.
كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.