أقوال العلماء وكلماتهم في بلاغة الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليّه السلام) كثيرة جداً لا مجال لذكرها، و لكي يقف القارئ على وجهة نظرهم بالنسبة إليه و إلى كلامه (عليّه السلام) فنحن نقتطف منها بعض العيِّنات من كلمات أقطاب الأدب في هذا المجال:
1. قال السيد الشريف الرضي: (كان أمير المؤمنين (عليّه السلام) مَشرَع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه ظهر مكنونها، وعنه اُخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق فقصّروا، وتقدّم وتأخّروا، لأن كلامه (عليّه السلام) الكلام الذي عليّه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي ...)[1].
2. قال العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي: (وإني لأطيل التعجب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدّل على أن طبعه مناسب لطباع الأسود ، ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدّل على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان الذين لم يأكلوا لحماً و لم يريقوا دماً ، فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس ، و تارة يكون في صورة سقراط و المسيح بن مريم الإلهي ، و اُقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة [2] منذ خمسين سنة و إلى الآن أكثر من ألف مرة ، ما قرأتها قط إلا و أحدثت عندي روعة و خوفاً و عظة ، أثّرت في قلبي وجيباً ، و لا تأملتها إلا تذكرت الموتى من أهلي و أقاربي و أرباب ودّي ، و خيّلت في نفسي أني أنا ذلك الشخص الذي وصف الإمام (عليّه السلام) حاله)[3].
3. قال الجاحظ: قال سمعت النظَّام يقول: (عليّ بن أبي طالب (عليّه السلام) محنة للمتكلّم، إن وَفى حقّه غَلى، وإن بخسه حقّه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حادّة اللسان، صعبة التّرقّي إلا على الحاذق الزّكي) [4].
4. قال جبران خليل جبران: " إن عليّاً لمَن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان)[5].
5. قال ميخائيل نعيمة: " بطولات الإمام ما اقتصرت على ميادين الحرب، فقد كان بطلاً في صفاء بصيرته و طهارة وجدانه و سِحر بيانه ... "[6].
6. قال عامر الشعبي: " تكلّم أمير المؤمنين (عليّه السلام) بتسع كلمات إرتجلهن ارتجالاً فَقَأنَ عيون البلاغة، و أيتمن جواهر الحكمة ، و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ، ثلاث في المناجاة ، و ثلاث منها في الحكمة ، و ثلاث منها في الأدب .
فأما اللاتي في المناجاة ، فقال : إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً ، و كفى بي فخراً أن تكون لي رباً ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب، و أما اللاتي في الحكمة فقال : قيمة كل امرءٍ ما يحسنه ، و ما هلك امرء عرف قدره ، و المرء مخبوء تحت لسانه، واللاتي في الأدب فقال : أمنن على من شئت تكن أميره ، و استغن عمن شئت تكن نظيره ، و أحتج إلى من شئت تكن أسيره "[7].
أقوال العلماء في نهج البلاغة :
و أقوال العلماء و الأدباء في خصوص نهج البلاغة و صحة انتساب ما فيه إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليّه السلام) فهي كثيرة أيضاً نُشير إلى بعضها .
1. قال العلامة السيد محسن الأمين : " إن نهج البلاغة مع صحة أسانيده في الكتب و جلالة قدر جامعه و عدالته و وثاقته ، لا يحتاج إلى شاهد على صحة نسبته إلى إمام الفصاحة و البلاغة ، بل له منهُ عليّه شاهد "[8].
2. قال الفاضل الآلوسي : " هذا كتاب نهج البلاغة قد استودع من خطب الإمام عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليّه) ما هو قبس من نور الكلام الإلهي و شمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي " [9] .
3. قال الإمام محمد عبده : " جمع الكتاب ـ أي نهج البلاغة ـ ما يمكن أن يعرض الكاتب و الخاطب من أغراض الكلام ، فيه الترغيب ، و التنفير ، و السياسات ، و الجدليات ، و الحقوق و أصول المدنية و قواعد العدالة ، و النصائح و المواعظ ، فلا يطلب الطالب طلبه إلا و يرى فيه أفضلها ، و لا تختلج فكرة إلا وجد فيه أكملها "[10].
4. قال الأديب أحمد حسن الزّيات المصري : " ولا نعلم بعد رسول الله (عليّه السلام) فيمن سلف و خلف أفصح من عليّ في المنطق ، و لا أبلّ منه ريقاً في الخطابة ، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه ، و خطيباً تتدفّق البلاغة على لسانه ، و واعظاً ملء السمع و القلب ، ومترسلاً بعيد غور الحجة ، و متكلماً يضع لسانه حيث يشاء ، و هو بالإجماع أخطب المسلمين و إمام المنشئين ، و خُطبه في الحثّ على الجهاد و رسائله إلى معاوية و وصف الطاووس و الخفاش و الدنيا ، و عهده للأشتر النخعي إن صحَّ تعدّ من معجزات اللسان العربي و بدائع العقل البشري ، و ما نظن ذلك قد تهيأ له إلا لشدة خلاطه الرسول و مرانه منذ الحداثة على الكتابة له و الخطابة في سبيله "[11].
5. قال العلامة الشيخ محمد جواد مغنية: " إن كل كلمة من كلمات نهج البلاغة تعكس في وضوح روح الإمام و علمه و عظمته في دينه و جميع صفات الجلال و الكمال، و لو لم يحمل نهج البلاغة اسم الإمام ثم قرأه عارف بسيرته و شخصيته لا يتردد في القول بأنه كلام الإمام من ألفه إلى يائه " [12]
6. قال الأستاذ الهنداوي : " لا تكاد نرى كتاباً انفرد بقطعات مختلفة يجمعها سلك واحد من الشخصية الواحدة و الأسلوب الواحد ، كما نراه في نهج البلاغة ، لذلك نقرر و نكرر أن النهج لا يمكن أن يكون إلا لشخص واحد نفخ فيه نفس واحد " [13]