يُعد العراق من البلدان الأولى التي عرفت الساعات البرجية الكبيرة ولاسيما المخصصة للمنائر في المراقد المقدسة والمساجد. وتُعد ساعة الروضة الحيدرية المقدسة القائمة اليوم من الساعات الميكانيكية القديمة التي تمتاز بفخامتها وجمال صنعها(1). وقد تم تشييد منارة الباب الشرقي الكبير للصحن الشريف من أجل نصب هذه الساعة في وقت متأخر من تاريخ العمارة الصفوية للمرقد العلوي المطهر الذي يتجاوز أربعة قرون, لذا عُرف هذا المدخل بباب الساعة.
ورد في الدليل الموسوم بـ (معالم المرقد العلوي المطهر) ما نصه:(هي المنارة التي تقع فوق جدار الباب الكبير من الجهة الشرقية للصحن الحيدري الشريف الذي يسمى باب الساعة، ويبلغ ارتفاعها نحو ۲۷ م عن أرض الصحن, وقد شُيّدت في بداية القرن الرابع عشر الهجري)(2).
يتخذ برج الساعة شكلاً مربعاً بقبّة مذهبة تقوم على ثمانية أعمدة تشكل فيما بينها ثمانية أواوين مقوّسة، إذ تقوم المنارة على سطح سور الصحن على قاعدة مكونة من طبقتين مكعبتين, ويوجد جسم الساعة في الطبقة الثانية, وتُعد اليوم من المعالم التراثية الجميلة في الروضة الحيدرية المقدسة.
ومما يجدر ذكره هنا أنّه في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر للهجرة تم تشييد برج صغير يعلو الباب الشرقي للصحن من أجل الساعة الأولى التي سبقت الساعة الحالية, ولم نقف على معرفة الشخص الذي قام بإهدائها. قال الشيخ علي الشرقي في حديثه عن الساعة الحالية للمرقد المطهر في كتابه (الأحلام) :(وليست هذه أول ساعة نُصبت هناك فقبلها كانت ساعة ولكن فُضّلت هذه ورُفعت تلك)(3).
ومن خلال تفحص الصور الفوتوغرافية القديمة الملتقطة للصحن الشريف عام 1287هـ/ 1870م يتبين شكل المنارة المربع بارتفاع يبلغ نحو أربعة أمتار ابتداءً من سطح الصحن, وتظهر قمة المنارة متوجة بهيكل حديدي غير مكتمل, أما الساعة فهي ذات وجه واحد تقابل الإيوان الذهبي للحرم العلوي المطهر تعلوها سقيفة واقية من الظروف الجوية. وقد أزيل هذا البرج وشُيّد مكانه المنارة الحالية بعد وصول الساعة الثانية.
تُعد ساعة الروضة الحيدرية الحالية من الساعات الفريدة والمعروفة عالمياً, جاء في (معالم المرقد العلوي المطهر) بهذا الصدد: (أما ساعة المنارة فهي فريدة من نوعها أهديت للحرم المطهر من الوزير علي أصغر بن إبراهيم خان أمين السلطان ناصر الدين شاه القاجاري، صُنعت في مدينة مانشيستر البريطانية ونُصبت في عام 1305هـ/ 1887م. يوجد جسم الساعة بالطبقة العلوية من منارة باب الساعة, ويظهر هيكل الساعة مطلاً على الوجوه الأربعة للمئذنة بِأرقام يونانية قديمة. تتكون الساعة من ماكنة ورقّاص وثلاثة أثقال ونواقل الحركة والأقراص والأجراس، وتسمع دقات الساعة للأرباع والانصاف والساعات، إذ توجد مطرقة لكل جرس)(4).
وقد أرّخ نصبها في عام 1305هـ ناظم مجهول بقوله:
ذي قبّة الكرار حامي الحمى أنوارها في الكون لماعهْ
فيا مواليه بتاريخنا (بصحنها قُلْ وضعوا ساعهْ)
وللشاعر السيد إبراهيم الطباطبائي بحر العلوم قصيدة بهذه المناسبة قال في مطلعها:
ألوى يخاتلها بالجد واللعب ظبي بملعب ذاك الرَّبرب السربِ
إلى أن يقول مؤرخاً عام نصب الساعة:
بمنتهى أربٍ تم الحبور لنا أرِّخ (بساعة أنس العيش والطربِ)(5)
وفي سنة 1323هـ/1905م تم تغليف أعلى الساعة بصفائح ذهبية من قبل رجل تبريزي, وجُدّد تذهيب الساعة سنة 1391هـ/1971م بسعي المرجع السيد محمود الحسيني الشاهرودي(6).
ومن ضمن مشاريع الصيانة والترميم لمعالم المرقد المطهر التي قامت بها الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة تم الشروع في عام 1429هـ/2008م بأعمال ترميم وتغليف منارة الساعة بتنفيذ مشترك بين العتبة المقدسة وشركة الأبحاث العالمية, واكتمل العمل في عام 1430هـ/2009م(7).
وقد ذكر الدكتور عبدالهادي الابراهيمي في كتابه (قطب الدائرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام) هذا التعمير قائلاً: (وبعد أن عانت هذه المئذنة الشهيرة وساعتها الفريدة من الإهمال والدمار إبان عهد النظام البائد وتضررها من جراء الشظايا والإطلاقات النارية من أحداث الانتفاضة الشعبانية المباركة سنة 1991م, قامت الكوادر الهندسية والفنية في العتبة العلوية المقدسة بجهود جبارة أثمرت عن ترميم المئذنة بالكامل. وتم التنفيذ من قبل شركة الأبحاث العالمية التي يرأسها الدكتور المهندس محمد علي الشهرستاني رحمه الله المتوفى سنة 2011م. إنَّ إعادة بناء مئذنة الساعة تم بذات القياسات والشكل السابق ولكن بحلّة جديدة وجميلة تليق بتاريخها وأهميتها لأهل المدينة والزائرين. حيث تم إعادة تغليفها بالقطع المطلية بالذهب للحفاظ على شكلها العام التاريخي, وإظهارها برونقها الجميل المُزيّن بالقاشاني المعرّق والنقوش الإسلامية والكتابات وبعض الأحاديث النبوية الشريفة بحق الإمام علي عليه السلام. كما قامت الكوادر المختصة بإصلاح أجزاء الساعة بالكامل لتعود تعمل بوضعها الطبيعي وتُسمع دقاتها الجميلة من جديد)(8).