تم تجديد شباك الضريح المقدس لأمير المؤمنين صلوات الله عليه مرات عدة خلال القرون المتعاقبة, وذكر الشيخ محمد حسين حرز الدين في "تاريخ النجف الأشرف" أنَّه: (لا يُعرف على وجه التحديد تاريخ وضع أول شباك على القبر الشريف, والذي يظهر انّهُ سابق لعام 1073هـ, وهو عام قصة العجوز التي شُفيت ببركة المرقد المطهر, وقد ذكرها العلاّمة المجلسي في بحاره, ونظمها العالم الاديب المعاصر لتلك الواقعة الشيخ يوسف الحصري بمنظومة طويلة أوردناها في أحداث السنة المذكورة, قال فيها:
فابتدرت تستلم الشباكا *** وكل مَن شاهدها تباكى[1].
وتم تجديد الشباك من قبل الشاه محمد شاه القاجاري بشباك فضي أرسل من إيران مع العالم محمد علي الهزارجريبي في عام 1211هـ/1796م[2]. ونقل المؤرخ السيد حسين البراقي في "اليتيمة الغروية والتحفة النجفية" عن الشيخ محمد كبة في "الدرر المنثورة" انه في سنة 1262هـ/1845م جدد الشباك بأمر المعتمد عباس قلي خان وزير محمد شاه بن عباس شاه بن فتح علي شاه [3].
أما الشباك الرابع فقد تبرع به المشير السيد محمد الشيرازي -أحد رجال الشاه ناصر الدين القاجاري- في سنة1298هـ/1881م, وذكر البراقي في "قلائد الدرر والمرجان" في أحداث هذه السنة ما نصه : (وفيها يوم الخميس أول رمضان نصبوا شباك الفضة من بعد تعميره على مرقد أمير المؤمنين عليه السلام)[4].
أماّ شباك الضريح المطهر الموضوع على ضريح أمير المؤمنين عليه السلام في الوقت الحاضر فقد تبرّع به رئيس البهرة السيد طاهر سيف الدين, إذ اكتملت صناعته في الهند عام 1360هـ/1941م , وتم نصب الشباك ورفع الستار عنه في 13 رجب عام1361هـ/1942 بحضور رئيس وزراء العراق نوري السعيد, وهو تحفة فنية نادرة, صُنع من الفضة والذهب ويعد رائعة من روائع الفن الإسلامي, وصفه الأستاذ الدكتور صلاح الفرطوسي فقال: (فإنَّ الشباك الحالي يُعدُّ أعظم المشبَّكات التي وضعت على مراقد أهل البيت عليهم السلام وأفخمها, وأغلاها ثمناً, وأجملها ريازة وصناعة, وأفخمها بين التحف المعروفة في العالم, لا يستطيع الناظر إليهِ إلاّ أنْ يقف إجلالاً واحتراماً أمام الصاغة المهرة والفنيين البارعين الذين استطاعوا إنجاز هذه التحفة الفريدة التي يحار القلم في التعبير عن روعتها. أهداه إلى الروضة الشريفة إمام البهرة الهنود السيد طاهر سيف الدين, وأشرف على صناعته وتذهيبه أمهر الصُنّاع الذين عرفتهم الهند, واستغرق العمل فيه خمس سنوات, ويُقال: إنَّ عمله احتاج إلى عشرة ملايين غرام من الفضة وخمسمائة واثنين وخمسين ألف غرام من الذهب, وصُرف عليه في وقته ما يعادل ثمانين ألف دينار)[5].
يحتوي التاج الذهبي على ثلاثة أشرطة كتابية نقش عليها سور قرآنية وأحاديث نبوية شريفة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام. وجاء الإهداء في الجهة الجنوبية من الشريط الثالث حيث كُتب ما نصه: (الحمد لله الذي بتوفيقه تقرب إلى الله الملك الحق المبين والى وليه علي أمير المؤمنين إمام المتقين العابد لربه حتى أتاه اليقين وصي محمد سيد المرسلين المجموع إلى ميقات شرفه شرف الآخرين والأولين بعمل هذا الضريح المحفوف بالملائكة المقربين بالفضة الخالصة والذهب الإبريز الثمين عبد الله وعبد وليه أمير المؤمنين الداعي إلى حب آل محمد الطاهرين أبو محمد طاهر سيف الدين من بلاد الهند سنة ألف وثلاثمائة وستين هجرية 1360هـ).
ونظم كثير من الشعراء والأدباء القصائد بمناسبة نصب هذا الشباك في عام 1361هـ ومنهم السيد علي الهاشمي إذ يقول:
يـدٌ (لسيف الدين) مشكورة *** سجّلـها باللوح رب العـلا
وكـل مـن والى أبا شبـر*** آي التهـاني لعـلاه تــلا
نال بـها مكرمة لـم تكـن*** تنالهـا قبـل ملـوك المـلا
أهدى ضريحاً من لُجين لهم *** لولا يـد الرحمـن ما أكمـلا
لاح بآفاق العـلا مشرقـاً *** سنـا ضريح المرتضى قد علا
وردَّد القمـري تاريخـه *** (ضريح قـدس لعـليٍّ حـلا)
يبلغ ارتفاع الشباك 4م وطوله 6,35م وعرضه5,10م ويتكون من جزئين رئيسين هما الشباك الفضي والتاج الذهبي الذي يعلوه. وقد زُين بأروع النقوش الإسلامية وبدائع الصور. يتألف الشباك الفضي من 18 نافذة (إحداها تضم الباب) مغلفة بنسيج من الكرات الفضية المنضودة مع بعضها بقضبان قصيرة. يفصل بين النوافذ أعمدة مزخرفة بالنقوش النباتية وعناقيد العنب البارزة, أما أعمدة الأركان فهي مطعمة بالذهب والياقوت الأحمر.
وتقوم عند أركان التاج الذهبي أربع رمانات من الذهب الخالص وزُين التاج بالورود والقناديل الذهبية. ويعلو الشباك الفضي كتيبة من المينا المطعمة بالفضة، كُتب عليها أبيات من قصيدة ابن أبي الحديد العينية التي يقول في مطلعها:
يا رسم لا رسمتك ريح زعزع *** وسرت بليل في عراصك خروعُ
وبتبرع من طائفة البهرة تمت صيانة اجزاء عديدة من شباك الضريح المطهر. فقد بوشر بعملية اعادة تذهيب الشباك بتاريخ 23/شوال/1426هـ، وذلك بإعادة طلاء التاج الذهبي للشباك وبطريقة الطرق اليدوي، مع التطعيم بالياقوت الأحمر لأسماء الله الحسنى المنقوشة على الورود الذهبية فوق الضريح الطاهر، إضافة إلى طلاء المساند الفضية الأربعة في أركان الشباك بالذهب الخالص، وتم اكتمال العمل في 5 شعبان 1427هـ/2006م[6].
وفي سنة 1430هـ/2009م تم الانتهاء من تنصيب الاعمدة الجديدة لزوايا الشباك المطهر وهي مصنوعة من الفضة والذهب وذات مواصفات فنية وجمالية عالية من حيث براعة الصنع واحتوائها على الاحجار الكريمة من ياقوت احمر والماس إضافة الى الذهب والفضة[7]. وجُدد باب الشباك في 16 جمادى الأول عام 1432هـ/ 2011م وحفظ القديم في مخازن العتبة العلوية المقدسة. وفي سنة 2016م أبدلت الاعمدة العشرين للشباك بأعمدة فضية جديدة مطعمة بالذهب كما تم صيانة وطلاء الخشب البورمي الأصلي الساند للشباك[8].