موسوعة ابن ادريس الحلي
تأليف : الشيخ الجليل ابي عبدالله محمد ابن احمد ابن ادريس الحلي المتوفى سنة 598 هـ.
تقديم وتحقيق : السيد محمدمهدي السيد حسن الموسوي الخرسان
مقدمة سماحة آية الله السيد علي بهشتي ( قدس سره ) (1)
الحمد لله عالم السرائر، شاهد الضمائر، منزل الوحي السماوي، والكتاب الحاوي، لتحرير غوات العباد، عن نير الغواية والالحاد، إلى نور الهداية والرشاد، في خير مزيد، وحياة لا تبيد، يفوز بها ذوو الجدّ الأسنى، فهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى، والصلاة والسلام على أشرف رسله وخاتمهم محمّد المبعوث بخير دين، بأشرف الصلاة المهداة إلى المرسلين، وعلى آله الغرّ الميامين، ما دامت السماوات، وقامت الدعامات.
أمّا بعد: فإنّ لله تعالى في عباده نعماً لا يعرف قدرها، ولا ينال صفوها عن كدرها، إلا من طاف ببصيرة فائقة، وقريحة رائقة، طاف أجواء هذي البسيطة، وأرجاء هاتي الخريطة، بجهد يتبعه التَعَب، وسعي يعقبه النصَب، حتى اهتدى إلى كنوز غاباتها، يصطفي خيار غاياتها، فيجتني منها خيار ما اصطفى، ويرتوي فيها بعذب ما طاب وصفا، ويُهدي للآخرين ما تسنّى له من حصيلة، ويهبهم ما حقق من فضيلة، ويبث فيهم عوائده صفواً، ويكيل لهم فوائده عفواً، من غير ضنٍّ ولا منٍّ.
هذا هو الألمعي الأوحد، والعلاّمة الأمجد، سماحة السيد محمّد مهدي الخرسان المؤيّد، دامت معاليه أبو صالح المسدّد، الذي كرّس صالح أيامه ويكرّسها دوماً بتحقيق نُخب الفوائد، ونشر الدرر الفرائد، التي منها موسوعةٌ من مآثر العميد الفذ، عين من أعيان فقهائنا الراحل، الشيخ الأجل الكامل، والفقيه الأسبق الباسل، أبو عبد الله محمّد بن إدريس الحلي، قدس سرّه العليّ، أعني كتاب سرائره، المُختَزَن بفروع مآثره، التي استنبطها من الكتاب والسنّة، مشروحة ممتنّة، بنظم رائق، ودعم واثق، على سنن فقهائنا الأثبات، من فروع الطهارة إلى أحكام الديات، قد نظمها في السمط بصورة حرّة ممتازة، تحكي تلك الميزة بحقها هذه المقدمة الفخمة التي تلمع بين يديك، أملاها سماحة السيّد المتقدّم سموّه، خصيصةً لهذا الشأن المهتم به، قد زانت الكتاب بما أبدت فيه من لباب، تنبئك عن مدى عظمة الكاتب والكتاب، كما تحيطك خُبراً بما أتعب نفسه بغير حساب، في سبيل تحقيق هذه الأمنية، وتعميق جذورها الفنيّة، بفصول جامعة، وسطور لامعة.
تشير أولاً إلى عرض المساهمة بعد مضي سنين طوال، على فكرة تعبيد طريقه إلى المنال، وأخذ وردّ حول تلك الفكرة في قيل وقال، عرض أن يشاطره فريق من ذوي الكفاية، الذين يرجى بعونهم سرعة الوصول إلى النهاية، قد لعب تحقيق العرضة دوراً غير قصير في تكييف المسير، حتى اعتذر بعضهم بادئ بدئه، ولبى الآخرون بحماس، بما ظُنّ به أن تم وضع حجر الأساس، لكن بعد أن اقتسموا المشروع، وأخذ كلٌ بحصته في الشروع، دبّت فيهم حسيكة الملل، وحان منهم حنين ليت ولعل، إلى أن رجع بعضهم بعد أشواط السيرة، بحجة صعوبة المسيرة، وأخذ الباقي في الاعتذار، بأنّ الفرصة لا تسمح له بالاستمرار، فرأى بعد اللتيا والّتي، أن لا يليق الوقوف بأثناء الطريق، حيث لا يوازره منهم فريق، وأنّ الصواب الاعتماد على سعيه، وتحمل العبء على كاهله وحده ورأيه، رغم خطورة المهمة وثقلها، فاستعان بالله وجدّ في سيره ساعياً مشكوراً.
ثم تنير آفاقاً من حياة المؤلِف وجهات المؤلّف، بفوائد تترى وتُزفّ.
ثم تشير إلى تخليص الكتاب من شواذ كانت تسرّبت إليه من نفاذ، إلى أن أكمل ما أسّس، وأجمل ما اقتبس، لا أريد أن أعرِفّك مجهولاً غائباً منك، أو بعيداً عنك، فلتجدنّها بنفسك أوفى بما أجملت لك، لقد تضمّنت حقائق لا يُستغنى عن الإطلاع عليها والركون إليها، لم يسبقه بها أحد، ولا يلحقه غداً أيضاً أو بعد غد، يعجبك مدى اهتمامه بجمع ما استطرف، وأفاد واستظرف، إحاطة بمصادر ما حقق وأشاد، فللّه درّه، وعليه أجره، في إحياء ذلك التراث العلمي القيّم، والأساس الديني التّم، بما قدّم فيه من وثائق أمينة، وحقائق ثمينة، تزيد في شوق الطالب، وسوق الراغب، إلى مقاييس الحياتين، العلمية الأدبية، والدينية الأبدية.
وإنّي على قصور باعي وقلّة اطلاعي، أرى النفع المتفنّن به الكثير، بما أضاء وعبّد المسير، نشكره على تلك النهضة العالية، والخدمة الغالية، التي قام بها وحده في الحاضر كالماضي، حبّاً لنشر المراضي، فلقد تصدّى لها بسعي منه مرير، وجهد عنه كبير، أنعِم بها ثم أنعِم بها، فلا ينبئك مثل خبير، شكر الله تعالى سعيه هذا وسائر مساعيه، وأبلغه أعلى مراقيه.
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
حرّره العبد الخاطئ عليّ الحسيني بهشتي في سادس عشر من شهر محرم سنة ألف واربعمائة وأربع من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف صلاة وسلام وتحية، والحمد لله.
1- لقد كتب (قدس سره ) هذا التقريض على كتاب السرائر قبل أن ننوي إصدار موسوعة كاملة لمؤلفات ابن إدريس;، ولذا صار الكلام متوجهاً نحو السرائر دون غيره من مؤلفات ابن إدريس.