مكتبة الروضة الحيدرية
الرسائل الجامعية : 4
تأليف
عباس علي حسين الفحام
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين .
لاريب في أن رحلة البحث في نهج البلاغة شاقة وشيقة في آن معا ، شاقة لأن الإحاطة بكلام الإمام علي (ع) أمر عسير لغنائه وثرائه في المعاني والمباني ، والباحث فيه على خطر عظيم إما النجاح وإما الفشل ولا سبيل ثالث لهما.
وشيقة لأن النظر في كلام الإمام (ع) والبحث في مبانيه مما ينفع الدارس ويكسبه فطنة وثقافة على صعيد السلوك اليومي وهو كله بعد توفيق من الله تعالى .
وليس غريبا انكباب الدارسين قديما وحديثا على استبيان أسرار التعبير في هذا الكتاب واستكشاف خبيئات المعاني فيه ، ولعل مما يقر العين أن تتناوله البحوث الأكاديمية في الجامعات العراقية قاطبة بالدرس والتحليل في رسائل الدكتوراه والماجستير في السنوات الأخيرة بمختلف التخصصات الانسانية خاصة في الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبلاغية والنحوية والفلسفية فضلا عن التشريعية والأخلاقية . فهو يبقى معينا ثرا يغتني به الدارسون ولن ينضب ويعطي بقدر الاستعداد والعدة ، والمنهل العذب كثير الزحام .
ولا جديد في الخوض بتوثيق نص نهج البلاغة وقد أغنانا عن البحث في ذلك السيد عبد الزهراء الخطيب رحمه الله في كتابه ( مصادر نهج البلاغة وأسانيده ) ([1]) ، والسيد صادق الموسوي في كتابه ( تمام نهج البلاغة ) ([2]) وهما نسختان مسندتان روائيا. هذا إضافة إلى الدلائل الفنية والروائية التي أثبتها أستاذنا الدكتور الصغير في محاضراته (الأدب في العصر الإسلامي ) التي ألقاها على طلبة كلية الفقه في النجف الأشرف منذ عام 1983م ، فضلا عن أن النص الذي اعتمدته في البحث بتحقيق كبير المحققين وهو الأستاذ محمد أبو الفضل ابراهيم ، كما أن البحث الذي أضعه بين يدي القاريء هو نفسه إثبات عملي يبرهن صحة انتساب الكلام في نهج البلاغة الى الإمام علي (ع) .
وليست بنا حاجة للتعريف بقائله أمير المؤمنين (ع) فهو أمير البيان العربي علي بن أبي طالب ( سلام الله عليه ) وكفى ، مثلما ليست بنا حاجة للتعريف بجامعه وهو الشريف الرضي (ت406هـ) نقيب الطالبيين وشاعر الهاشميين وسليل العترة الطاهرة من أئمة أهل البيت عليهم السلام .
إن أكثر ما يلفت النظر في نهج البلاغة ديمومة الحياة فيه فكلما زاده الباحث قراءة ازداد منه انتفاعا وجدة فهو أثر لغوي لاتمله الأسماع مهما تردد ذكره . وسر هذه الديمومة ونبض الحياة في نهج البلاغة هو القرآن الكريم ، فثمة ثوب شفيف يغطي كلمات نهج البلاغة وصياغاته ومعانيه ، نسيجه بلحمته وسداه من كلمات ومعاني الكتاب العزيز .
ومن هنا وقع اختيار عنوان البحث ( الأثر القرآني في نهج البلاغة ) لأن هذا الفراغ في دراسة انسراب التأثير القرآني الى نهج البلاغة دراسة لغوية وبلاغية وموضوعية لم يملأ بدراسة أكاديمية بعد على الرغم من الدراسات التي كثرت حول نهج البلاغة .
وإني لأعلم بصعوبة مركبي ، ولا أدعي لنفسي فضلا ، ولكن كان لابد من إقتحامه للخلوص منه بنتيجة علمية عسى أن تذلل الطريق للدارسين من بعد هذا البحث. فدراسة الأثر والتاثير بين القرآن الكريم ونهج البلاغة أشبه ما تكون بالدراسة المقارنة ، وهو ليس أمرا يسيرا بسبب الثراء الإعجازي في النص القرآني والمسالك اللغوية المعقدة في نهج البلاغة .
وتخلصا من ذلك كانت المحاولة منصبة في تسليط الضوء على نقطة معينة من التأثير عند ايراد الشاهد بغية تقديم الدليل العملي المقنع للأثر القرآني في نهج البلاغة ، مما يعني أن النص لابد أن ينفلت من بين يدي الباحث بمجرد أن يستجمع قواه للإمساك به وهذا أمر كنت قد أحسست به في الماجستير منذ أكثر من عقد من الزمان حين درست ( التصوير الفني في خطب الإمام علي (ع) ) ، وها أنا أعيشه اليوم في الدكتوراه .
أما المنهج البحثي الذي اتبعته فقد كان قائما على الأسس الآتية :
دار البحث على محورين من التأثير القرآني هما الشكل والمضمون ولا يعني ذلك فصلا بينهما فلا شكل بدون مضمون ولا مضمون بلا شكل ولكن الدراسة التفصيلية اقتضت هذا الفصل لأن لكل منهما خصائصه ومميزاته مما يعني تركيز البحث على جانب معين من خلالهما وحصر النتائج في ظل ذلك .
إذن البحث انتظم في بابين وخمسة فصول ، خص الباب الأول بعنوان ( الأثر القرآني في نهج البلاغة "الشكل" ) ، واشتمل على ثلاثة فصول هي بحسب علاقتها بالشكل :
الفصل الأول : وهو بعنوان (الألفاظ والبناء الجملي ) ، وقد درس الألفاظ والبناء الجملي من خلال المفردات البحثية الآتية :
ـ الكلمة المفردة : وصدى التاثير القرآني في نهج البلاغة فيها من طريق انتقاء المفردة ودقة استعمالها واقتباسها وسبل توظيفها .
ـ التركيب الجملي لما له من أثر واضح في صياغة الشكل ، وتم حصر هذا التركيب من خلال نمطين شاعا في الجملة القرآنية ونهج البلاغة هما الجمل القصيرة والجمل الطويلة والعناصر المعتمدة في بنائهما ، وهي أغلب مباحث علم المعاني في صناعة الجملة من تقديم وتأخير وحذف واستفهام وأمر وشرط ونداء وقسم .
ولما كان الفن البياني في نهج البلاغة من أوضح طرق الأداء للمعاني وأظهرها فقد كان لابد من الوقوف عليه ودراسة تأثير البيان القرآني فيه وهو ما تكفل به الفصل الثاني فجاء بعنوان ( الأداء البياني ) وهو جزء متمم للشكل في الصياغات التعبيرية من خلال العناصر التي تأثر بها الإمام (ع) من القرآن واتخذها وسائل تفنن بها في أداء معانيه وهي بحسب شدة تأثيره بها :
المجاز بأنواعه الإفرادي والتركيبي ثم التشبيه والتركيب الاستعاري فالملحظ الكنائي .
وفي كل تلك المباحث جرت المحاولة لالتماس الشواهد القرآنية التي اقتبسها الإمام (ع) أو ولد عليها كثيرا من الصياغات .
وكان الفصل الثالث بعنوان ( جرس الألفاظ ) وقد درس الصدى النغمي القرآني الذي اقتفاه الإمام علي (ع) وأدخله كلامه من خلال الوسائل الموسيقية التي توافر عليها التعبير القرآني وهي السجع والتكرار بأنواعه والجناس بأنماطه المختلفة والتوازن .
أما الباب الثاني فقد تكفل بدراسة المعاني القرآنية وموضوعاته التي انتهل منها الإمام (ع) في كلامه فكان بعنوان ( الأثر القرآني في نهج البلاغة " المضمون " ) وقد انتظم في فصلين حاولت أحصر فيهما أكثر المعاني تداولا في كلام أمير المؤمنين (ع) وهما :
الفصل الأول : وكان بعنوان ( مجالات الأثر القرآني في نهج البلاغة ) .
ودرس الموضوعات القرآنية التي استقاها الإمام (ع) من المعين القرآني ، وشمل المباحث الآتية المرتبة بحسب كثرتها في الاستعمال :
1ـ تعظيم الله وتنزيه الباري
2ـ عالم الموت والحياة
3ـ خلق الإنسان والكون
4ـ الجهاد في سبيل الله
5ـ الدعوة الى التقوى
أما الفصل الثاني : فقد جاء بعنوان ( الشاهد القرآني في نهج البلاغة ) وانقسم على ثلاثة مباحث رئيسة ، درس الأول أسلوب الإمام (ع) في استعمال الشاهد القرآني وحصر بثلاثة أساليب هي :
1ـ التصريح بنسبة الشاهد الى القرآن
2ـ عدم التصريح بنسبة الشاهد .
3ـ التذييل
وتخلل المبحث الثاني منه دراسة الوظائف التي من أجلها استعمل الإمام (ع) الشاهد القرآني وحصر أهمها في خمس وظائف بحسب كثرة استعمالها في نهج البلاغة :
1ـ إصلاح الذات وتهذيب النفس
2ـ الترغيب والترهيب
3ـ الوظيفة العبادية والعقائدية
4ـ الاحتجاج
5ـ الوظيفة العقلية .
أما المبحث الثالث فقد تناول الفهرس التفصيلي للآيات القرآنية المباركة التي استشهد بها الإمام (ع) بحسب اسبقيتها في نهج البلاغة لغرض استقرائها والخروج منها بنتائج تكمل البحث إحصاءً واستقصاءً .
وكان آخر رحلة البحث في الخاتمة التي وقعت في محورين ، تناول الأول ما وصل اليه البحث من نتائج ، وقدم المحور الثاني ما خرج به من اقتراحات موضوعية .
وقد تعددت مشاربي من المصادر والمراجع بسبب تنوع الدراسة بين النص القرآني ونهج البلاغة ، فقد كانت أغلب مصادر التفسير القرآني ، القديمة منها خاصة ، عدتي في محاولة الولوج الى النص القرآني واستكناه معانيه واستشفاف خباياها .
أما بشأن كلام الإمام (ع) في نهج البلاغة فقد أفدت من كل الشروحات القديمة والحديثة لنهج البلاغة خاصة شرح ابن أبي الحديد وشرح ابن ميثم البحراني نظرا لقدمهما وعمقهما في الشرح .
وكان لابد لي من محاولة الأخذ بأطراف البلاغة القديمة وما وصلت اليه اليوم الدراسات الأسلوبية البلاغية ، خاصة الدراسات الحديثة والأجنبية المترجمة ، فكانت لكل ذلك زوافري التي استندت اليها في الخوض في نصي الأثر والتأثر .
هذا وقد حاولت في البحث أن أكون جادا مجتهدا ألتمس الجدة فيه ، والابتعاد عن اجترار التكرار ، فبذلت فيه كل وسعي وعصارة جهدي ، فإن بانت الفائدة منه فلله الفضل ، وإن ظهر النقص فيه فمجد الكمال مختص به الله وحده ، والله تعالى من وراء القصد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
----------------------------------------------------------------------
([1] ) طبع في بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، 1975م .
([2] ) طبع في بيروت ، مؤسسة الأعلمي ، 1426هـ .
الفهارس
المقدمة 8-11
التمهيد : ملامح الأثر والتأثر بالقرآن في نهج البلاغة 12-28
الباب الأول : الأثر القرآني في نهج البلاغة ( الشكل ) 29-199
الفصل الأول : الألفاظ والبناء الجملي 30- 94
الكلمة المفردة 31- 64
توطئة 31- 33
أولا ـ الإختيار : 33- 51
1ـ دقة الاستعمال 33- 43
2ـ الألفاظ الموحية 44- 51
ثانيا : الاقتباس : 52- 60
1ـ اقتباس اللفظة القرآنية 52-57
2ـ اقتباس الاستعمال القرآني للألفاظ 58- 60
ثالثا : النقل 61- 64
التركيب الجملي 65- 94
توطئة 65-66
1ـ إعادة صياغة الجملة القرآنية 66-69
2ـ بناء الجملة القصيرة والطويلة 69-94
أولا : ركائز بناء الجملة القصيرة 70 -88
1ـ التقديم والتأخير : 72 -76
الأول : التقديم بين جزئي الجملة 72-73
الثاني : التقديم في المتعلقات 73-76
2ـ الحذف 77-80
3ـ الاستفهام 81-84
4ـ الأمر 85-88
ثانيا : ركائز بناء الجملة الطويلة 89-94
1ـ جملة الشرط 89-90
2ـ جملة ( إن ) 91-92
3ـ جملة النداء 92-93
4ـ جملة القسم 93-94
الفصل الثاني : الأداء البياني 95- 151
أولا : الاستعمال المجازي 96- 108
توطئة : التعريف بالمجاز والمجاز القراني 96
أنواع المجاز القرآني في نهج البلاغة : 97-108
1ـ المجاز في الافراد ( المرسل ) 97- 103
2ـ المجاز في التركيب ( العقلي ) 104- 108
ثانيا : البعد التشبيهي 109-126
التعريف بالتشبيه عند البلاغيين 109-110
ظواهر من التأثير القرآني في نهج البلاغة 111- 126
1-صيغ المثل القرآني وتأثر نهج البلاغة بصورها 111-115
2- اللوحات التشبيهية بين القرآن ونهج البلاغة 116-123
3- التشبيهات المفردة في ضوء القرآن ونهج البلاغة 124-126
ثالثا : التركيب الاستعاري 127-143
التعريف بالاستعارة 127 -128
ظواهر من التأثير القرآني في استعارات نهج البلاغة: 129 -143
1ـ التوليد : 129-136
استعارات الليل والنهار 129-133
استعارات الحق والباطل 134-136
2ـ ظاهرة التشخيص 137-140
3ـ الإستعارة التمثيلية 141- 143
رابعا : الملحظ الكنائي : 144-151
تعريف الكناية 144
من آثار الكناية القرانية في نهج البلاغة : 145-151
1ـ جدة الكناية القرآنية 145-148
2ـ تصوير الحالات الإنسانية 149-151
الفصل الثالث : جرس الألفاظ 152- 199
توطئة 153-157
آليات الجرس 158-199
الأول : السجع 158-164
تعريفه وقيمته الموسيقية 158-164
الثاني : التكرار 165-176
أنماط التكرار : 168-176
1ـ تكرار الحرف 168-170
2ـ تكرار اللفظة 171-176
الثالث : الجناس 177-193
توطئة 177-179
أنواع الجناس في القرآن 179-192
1ـ الجناس التام 179-181
2ـ الجناس الناقص 181-182
3ـ جناس التصحيف 183-185
4ـ جناس التحريف 185-186
5ـ الجناس المضارع 186-188
6ـ جناس الاشتقاق 189-190
7ـ الجناس المعكوس 191-193
الرابع : التوازن : 194-199
1ـ تعريفه وأثره في إحداث النغم القرآني 194-195
2ـ وسائل الإمام في طلب التوازن 195-199
الباب الثاني : الأثر القرآني في نهج البلاغة(المضمون) 200- 285
الفصل الأول : مجالات الأثر القرآني في نهج البلاغة 201- 245
توطئة 202
1ـ تعظيم الله وتنزيه الباري : 203-213
أ ـ التوحيد 203-205
ب ـ الولادة واتخاذ الأبناء 206-207
ج ـ التحميد 207-210
د ـ اسماء الله الحسنى 210-213
2ـ عالم الموت والحياة 213-223
أ ـ الدنيا وزينتها 215-216
ب ـ بيع الآخرة بالحياة الدنيا وبالعكس 216-223
3ـ خلق الإنسان والكون 224-233
4ـ الجهاد في سبيل الله 235-238
5ـ الدعوة الى التقوى 239-245
الفصل الثاني : الشاهد القرآني في نهج البلاغة 246-297
توطئة : 247
أولا : أسلوب الإمام(ع) في استعمال الشاهد القرآني 254-262
1ـ التصريح بنسبة الشاهد 247-255
2ـ عدم التصريح بنسبة الشاهد 251
3ـ التذييل 252-255
ثانيا : توظيف الشاهد القرآني 256-291
1ـ إصلاح الذات وتهذيب النفس 256-259
2ـ الترغيب والترهيب 260-265
3ـ الوظيفة العبادية 266-270
4ـ الاحتجاج 271-275
5ـ الوظيفة العقلية 276-280
ثالثا : فهرس الشواهد القرآنية 281ـ 285
الخاتمة ( النتائج والاقتراحات ) 286- 291
المصادر 292- 320