مكتبة الروضة الحيدرية
الرسائل الجامعية ـ 15
تأليف
حسام علي حسن العبيدي
المقدمة
الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه, فسبحانه من عظيم لا يحصى ثناؤه, والصلاة والسلام على أشرف خلقه وسيد رسله المصطفى الصادق الامين وآله أعلام الهداية الطاهرين. وبعد...
قد خلّف التراث الإسلامي نتاجاً ضخماً وثرياً في مجال التصوف, وربما لا نكون مجانبين الصواب إذا قلنا ان ذلك أوجد ميداناً خصباً لبحث شغف به كثير من المستشرقين, زيادة على الباحثين العرب والإسلاميين عموماً.
وقد كشف الباحثون النقاب –بما لا مزيد عليه- عن وشائج صلة وربط بين التشيع والتصوف, تارة على شكل تهمة للتشيع بوصفه الباب الذي دخل منه التصوف إلى المسلمين, إذا ما عدّ التصوف ولا سيّما الفلسفي منه دخيلاً على المفاهيم والممارسات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية, وتارة أخرى على شكل نتيجة طبيعية تنسجم مع القول: إن التصوف ضرب من التسامي الروحي عرفته البشرية منذ وقت بعيد, وهو لا يختص بدين أو فرقة من دون أخرى, وان كانت سمات التجربة الروحية لكل منها محفوظة.
وبات واضحاً ان العرفان عند متأخري الشيعة الامامية –ومنذ صدر الدين الشيرازي (979-1050 هـ) تحديداً- قد اتخذ طابعاً متمايزاً باهتمامه بالجانب النظري والفلسفي في محأولة لتطويع الفلسفة, وجعلها لساناً معبّراً عمّا يتوصل اليه بالكشف والشهود, وسميّت بـ(الحكمة المتعالية).
الملا هادي السبزواري (1212-1289 هـ) واحد من أولئك الذين لم يتم تسليط ضوء البحث عليهم, مع ماله من أثر في المجالين: الفلسفي والعرفاني, ولا تقتصر أهميته على كونه شارحاً بارعاً لآراء صدر الدين الشيرازي وحسب, بل ولأنه امتاز بأسلوب الشعر التعليمي, إذ نظم ثلاث منظومات: في المنطق, والفلسفة, وأسرار الشريعة والعبادات, وتصدى بنفسه لشرح منظوماته هذه, وصارت منظومته الفلسفية مع شرحه لها من الكتب الدراسية المهمة المتدأولة, ومحوراً للدرس الفلسفي في المراكز العلمية الدينية عند الشيعة (وإلى يومنا الحاضر), وربما كانت أهم نافذة نفذت من خلالها الفلسفة –بحلتها الجديدة الشيرازية- إلى لغة البحث في الفقه وأصوله.
ان الغرض من هذه الدراسة التعرف على المعالم الرئيسة للفكر العرفاني عند الشيعة الامامية, بعد ان اجتازت المدرسة العرفانية عندهم مراحل من التطور, وأصبحت مسائلها بهذا السبك المتدأول.
ولهذا فستكون الدراسة دراسة وصفية موضوعية, غير معنيّة بمنهج التحليل والمقارنة الا فيما تقتضيه طبيعة الوصف الموضوعي الدقيق للآراء التي يعتريها شيء من الغموض والالتباس.
ولا يخفى ان الرؤية الفلسفية المتكاملة تُبتَنى على محورين: الوجود والمعرفة, كذلك الأنساق العرفانية النظرية أيضاً تُبتَنى على هذين المحورين, وتضيف محوراً ثالثاً, يشتمل على نظرية الانسان الكامل, وتفسير النبوة ومقامات الولاية وغير ذلك, ويمكن ان نسمي هذا المحور بـ(الولاية) بمعناها الوسيع.
وعلى هذا الاساس ومحأولة لتتبع آراء السبزواري المبثوثة في مصنفاته وتعليقاته على مصنفات صدر الدين الشيرازي, سيكون البحث مشتملاً على تمهيد وفصول ثلاثة وخاتمة.
اما التمهيد فيتضمن أربع فقرات: الأولى فيها عرض تاريخي موجز لتطور التصوف ومدارسه, والثانية في بيان معنى كل من التصوف والعرفان, والثالثة في العلاقة بين التصوف أو العرفان مع التشيع, وبيان تطور التجربة الروحية عند الشيعة الامامية, وفي الرابعة نبذة مختصرة عن سيرة السبزواري وآثاره.
اما الفصل الأول, فهو معقود لمباحث نظرية الوجود ويتضمن أربعة مباحث: الأول لبحث مسألة أصالة الوجود بما لها من أهمية التأسيس لمسألة وحدة الوجود وغيرها من مسائل الحكمة المتعالية, والمبحث الثاني لبيان المذاهب والأقوال في معنى وحدة الوجود, والمبحث الثالث في عرض رأي السبزواري في نظرية وحدة الوجود ومختاره فيها, والمبحث الرابع في مراتب الفيض والتجلي بوصفه من متممات مذهب وحدة الوجود.
اما الفصل الثاني, فيتنأول نظرية المعرفة من خلال مباحث ثلاثة: الأول, في الوجود الذهني وأدلته والاشكالات التي ترد على اثباته, ثم نظرية السبزواري في الاجابة والرد على تلك الاشكالات, وبعد بيان النظريات التي اعتمد عليها في صياغة جوابه, والثاني في مسألة اتحاد العاقل والمعقول التي هي توأم مسألة الوجود الذهني من حيث ارتباطهما بأبحاث المعرفة وتفسير العلم, وبعد توضيح المسألة سيتم بحث أدلتها وبراهينها, واعتراض السبزواري على بعض أدلة صدر الدين الشيرازي, وفي الواقع ان هذه المسألة تمثّل الاساس والأصل المهم لدى مدرسة الحكمة المتعالية, فان اثباتها يعني اثبات التبدّل والصيرورة للنفس, والتكامل والترقّي المستمر باستمرار ادراكاتها, وهذا بدوره مهم جداً لتقريب امكانية الكشف, اما المبحث الثالث فانه معقود لبيان المعرفة الكشفية وما يرتبط بها من اصطلاحات, مثل: العلم اللدني, الوحي والالهام, الخواطر وأقسامها, ثم توضيح حقيقة الكشف والشهود, وانواع الكشف ومراتبه.
اما الفصل الثالث, عنوانه الولاية, ويتضمن مباحث ثلاثة: الأول, في الحقيقة المحمدية والانسان الكامل, اذ ان نظرية الانسان الكامل موازية لنظرية وحدة الوجود من حيث أهميتها المتميزة على سائر مسائل العرفان, وهما أبرز ما انتجه وقاد اليه التنظير العرفاني في رؤيته الكونية, والثاني: في النبوة والولاية, ويتضمن زيادة على معنى النبوة وحقيقتها, والفرق بينها وبين مقام الولاية مسألة ختم النبوة والولاية والتي أظهر فيها الاختلاف العقائدي اختلافاً في تسمية خاتم الولاية (المطلقة والمقيدة), ويتنأول هذا المبحث ذكر طبقات الأولياء, بعدها تحقيق في مفهوم الامام بحسب اعتقاد الشيعة الامامية بغية النظر فيما إذا كان هناك تقارب بين مفهوم الامام عند الامامية وبين مفهوم القطب عند الصوفية, أو ثمّة تباعد بينهما من حيث الوظيفة والمفهوم. اما المبحث الثالث: في تحصيل الولاية وطريق اكتسابها, وبيان مراتب السير والسفر في ذلك الطريق, وسيكون للحديث عن أسرار الشريعة والعبادات نصيبٌ في هذا المبحث نظراً لأهمية الآداب الشرعية في الرياضات والمجاهدات الموصلة إلى أسمى الغايات.
وأخيراً الخاتمة متضمنة أهم نتائج البحث.