مكتبة الروضة الحيدرية
الرسائل الجامعية ـ 29
تأليف
بلاسم عزيز شبيب
المقدمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، الحمد لله الذي عَلَّمَ بالقلمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعلَمْ، وأفضلُ الصلواتِ وأتَمُ التَسلِيمِ عَلى المبعوثِ رحمةً للعالمين، البشيرِ النذيرِ المصطفى الأمجد أبي القاسمِ مُحَمّد، وعلى آلهِ الطيبينَ الطاهرينَ وصحبهِ الميامينَ الذينَ اقْتَفوا أثَرهُ واتبعوا سنتَه، ولم يغيّروا أو يبدلوا بعده.
أَما بعدُ؛ فإنّ عِلمَ أصولِ الفقهِ يُعدُّ من أشرفِ العلومِ بَعدَ علمِ الفقهِ، وأعظَمِهَا نَفعاً، وأبعَدها أَثراً في إيجادِ الملكةِ الفقهيةِ، والقدرةِ على استنباطِ الأحكامِ الشرعيةِ الفرعيةِ من أدلتها التفصيليّةِ المُقررةِ والمُعتبرةِ شَرعاً، وبدونهِ يتعذرُ على الفقيهِ المجتهدِ الوصولُ إلى استنباطِ الأحكامِ الشرعيةِ من أَدلتِها.
وقد اكتسبَ هذا العلمُ أهميةً كبيرةً لوقوعِهِ في طريقِ استنباطِ الأحكامِ الشرعيةِ المطلوبةِ من المكلفِ، بل ووقُوعهُ في طريقِ رضا اللهِ تعالى والسعادةِ الأخرويةِ والدنيويةِ، بتمكينِ المكلّفِ من معرفةِ وظائِفِهِ في امتثالِ التكاليفِ الشرعيةِ، ومعرفةِ أحكامِ الأفعال، الآمرةِ بتطبيقِ قواعدِ العدالةِ الإجتماعيةِ.
وعلى الرغمِ من أَهميّةِ علمِ أصولِ الفقهِ ومكانتهِ إلاّ أنّهُ من العلومِ الآليةِ، يُطلبُ لغيرِهِ لا لنفسِهِ، فهوَ كالمقدمةِ إلى علمِ الفقه، وَمُراعاة قواعده تعصم الفَقيه مِن الخطأ، كما أنّ مُراعاة قواعِد النحو تعصم اللسان من الخطأ، ومُراعاة عِلم المنطِق وقواعِده تعصم الذِهنَ مِن الخطأ أيضاً.
ومُراعاة قواعد الأصُول في عملية الاستنباط، إنْ لَمْ تَكُنْ عاصمةً من الخطأِ، فهي منجزةٌ عندَ مطابقتِها للواقع، ومعذرةٌ ومؤمّـِنةٌ من العقابِ عندَ مخالفتها للواقع، والمعذّريةُ هنا تعني رفع العقوبة من باب اللطف والمنّة منه تعالى، بل ويحصل المكلف على ثواب من بابِ المصلحةِ السلوكيةِ لا من بابِ التصويبِ.
وبهذا يظهرُ الارتباطُ الوثيقُ بينَ عِلمي الفقهِ وأُصولِهِ مِن جهةٍ، وبينَهُمَا وبينَ رضا اللهِ والسعادةِ الأُخرويةِ والعدالةِ الإجتماعيةِ من جهةٍ أُخرى.
وقد نَشأَ عِلمُ الأصولِ في أحضانِ علمِ الفقهِ، وذلِكَ لوجودِ الحاجةِ إلى معرفةِ الأحكام الشرعيةِ، وغيابِ المعصومِ7 وحصولِ مفاهيم وموضوعاتٍ جديدةٍ عندَ المسلمينَ، وبدونِ تلك القواعدٍ لا يمكنُ استنباط الأحكامِ من أَدِلَتِها، ولذا عِلمُ الأُصولِ تَعهَّد بذلكَ، وقدْ نشأتْ بذرةُ الفكرِ الأُصوليّ عندَ الإماميةِ في أواخِرِ القرنِ الأوّل الهجري، وفي عصرِ الصادقَينِ 8، ثمَّ تطوّرَتْ تلك البذرةُ وطُبِقَتْ بِصورةٍ واضحةٍ في القرنِ الثالثِ والرابع في عصرِ ابن بابويهٍ القُمِّي وابنِ أبي عقيلٍ العماني وابن الجنيدِ الأسكافي، وبَدأَ تدوينُها وبشكل يعمّ أكثر القواعد الاصولية في عصرِ الشيخِ المفيدِ والسيّدِ المرتضى والشيخِ الطوسي، إذْ أفردوا لَها مُصنَّفاتٍ، وتوسّعوا في تطبيقِها في استنباطِ الأحكامِ الشرعيةِ وبِهذا يكونُ علمُ الأصولِ بمثابةِ النظريةِ وميدانُ تطبيقِها علمُ الفقهِ، واستمرَّ تطورُ هذا العلمِ إلى عصرِ المحقّقِ والعلاّمة الحِليَينِ، وقد أجادوا في إثراءِ المكتبة الإسلاميةِ في علمِ الأصولِ والفقهِ كَمَّاً ونَوعاً.
وقدْ تَنوّعتْ مصنّفاتُ العلاّمةِ في الفقهِ وأُصولِهِ بِما يَتناسبُ مَعَ المتلَقي والقارئ مِنْ حيثُ السنُ والعمر الزمني، والمداركُ العقليةُ، والمعتقد والمذهبُ، فألَّفَ المختصراتِ والمتوسطاتِ والمطولاتِ، ثُمَّ أدخلَ فيها الدراسة المقارنَةَ بينَ المذهبِ الواحِدِ أو المذاهبِ المتعددةِ، حتّى وصلَ هذانِ العلمانِ في عصرهِ وعلى يدهِ إلى أوجِ ذروتِهما، إذْ لَم يَسبِقهُ سابِق، وَلَم يَصل إليه لاحِق.
وأنا بدوري سعيتُ جاهداً الى إظهار المباني الاصولية بحلّة جديدة، ويتمثل ذلك بالدراسة التطبيقية لتلك المباني في الميدان الفقهي، لكي تكتمل الحلقة بين التنظير المتمثل بالمباني الاصولية، والتطبيق المتمثل بالمسائل الفقهية.
وحددتُ البحث في المباني الاصولية عند العلامة الحلي، وخصصتُها في مباني مختلف الشيعة حصراً، وأما ما تطرقتُ إليه من مباني الآخرين من العامة والخاصة كان ذلك لأجل ارتباطه في مباني العلامة، أو لإشباع البحث ورفع نقاط الضعف فيه، أو استئناساً بحسن الرأي، أو تعجباً بغرابته.
وعندما أتطرق إلى كل مبنى أطرق إليه من كل جوانبه بداً من تعريفه وأقسامه والأقوال فيه مع أدلتها مع مناقشة الأدلة، وملاحظة قول العلامة ومبناه، ثم اختيار الراجح منها.
وقد يلاحظ الاشارة لبعض الأقوال من دون تعليق، وذلك للاختصار أو لبُعدها عما نحن فيه، أما سبب ذكري لها هو ايجاد صورة كاملة عن المبنى ولو اجمالا، وذلك لرسم افقٍ واسعٍ رحبٍ لمن يطالع هذه الإطروحة ويستفيد منها، من الباحثين وخصوصا طلاب الدراسات العليا.
وأَمّا سَببُ اختياري لِهذا الموضوعِ وبهذا العنوانِ :
هو معرفةُ سرّ ومصداقيةِ ما توصلَ إليهِ العلاّمةُ الحليُّ في علمَي الأُصولِ والفقهِ، في مصنّفاتِهِ المتعدِدةِ والمتنوعةِ، وأَسبابُ اهتمامِهِ البليغِ بهذا العلمِ. والإطلاعُ على ما تفرّدَ بِهِ من إسلوبٍ ومنهجيةٍ ودِقَةٍ في أغلبِ كتبهِ لاسيّما الفقهيّةُ والأصوليةُ منها، وسرِّ اتخاذِها منهجاً مدرسيّاً لأكثَرِ من سبعة قرونِ، وكثرةُ الإهتمام بها شرحاً وتعليقاً، كَمَا هُوَ واضِحٌ في كتابي »تهذيب الوصول«، و»مبادئ الوصول«. والإطلاعُ على المباني الأصوليةِ المستعملةِ في إستنباطِ الأحكامِ الشرعيةِ بصورةٍ عامةٍ والفقهِ المقارنِ بصورةٍ خاصةٍ.
وبسببِ هذا الإختيارِ تحملتُ صعوباتٍ جمّةً، وبَذلتُ جهوداً كبيرةً، وبمعدلِ ثمانِ ساعاتٍ يومياً ولمدةِ خمسة وعشرين شهراً، من أجلِ إنجازِ هذا الجهدِ القليل، وهذهِ الاطروحة الموسومةِ بـ »الجهدُ الأصوليُ عندَ العلاّمةِ الحليّ دراسةً تطبيقيةً في الفقهِ (مباني المختلفِ أنموذجاً)«.
وأهمُ الصعوبات تمثلتْ بدراسةِ الجهدِ الأُصولي عندَ العلاّمة، والذي يتألف من سبعة عناوينَ، والموجودِ منها أربعةُ مطبوعة، في ثمانيةِ مجلداتٍ واثنان مخطوطة، وبِإسلوبٍ يصعبُ فهمُهُ إلاّ بالقراءةِ المكرّرةِ والتَدبر لمعناه.
وكذا بدراسةِ الجهدِ الفقهي في كتابِ المختلفِ، والذي يتألف مِن عشرةِ مجلّدات, وقد قرأته من أولّه الى آخره أكثر من ست مرات، بالإضافةِ إلى مواردِ الحاجةِ من بقية مصنّفاتِهِ الفِقهِيّةِ والكَلاميةِ والرِجَاليةِ وغَيرهَا.
ومن الصعوبات أيضاً ان موضوع الاطروحة متنوع وواسع جداً، وكل فصل يختص بعلم خاص يجمع بين تلك الفصول جامع، ألا وهو المبنى الأصولي، وقد دفعني هذا التنوع لبذل جهد مضاعف وذلك لفهم كل فصل ومراجعة مصادره وصياغته بصياغة تتناسب مع بقية الفصول.
وَبَعدَ تَخطِي هذهِ الصُعوبَات وِغيرِهَا، وَبِالتَوَكِلٍ على اللهِ, تَمَكنتُ مِنْ إنجازِ هذهِ الاطروحة وعلى طِبقِ مَا رُسِمَ لَها، وَوفِقِ الخُطةِ المؤلّفةِ مِنْ مُقدمةٍ ومبحث تمهيدي، وأربعةَ فصولٍ، وخاتمةٍ:
وذكرت في المقدمة :أهمية موضوع الاطروحة، وفرضيت البحث، واسباب اختياره، والصعوبات التي واجهتني، وموجز عن خطة البحث.
وذكرت في المبحث التمهدي: المسار التأريخي لعلم أصول الفقه عند الامامية ونبذة عن سيرة العلامة الحلي الذاتية والعلمية.
وذكرت في الفصل الأول: المباني الاصولية في القواعد اللفظية عند والعلامة الحلي، مع بيان معناها، ودلالتها، والأقوال فيها ومناقشتها،وبيان قول العلامة، واختيار الراجح منها.
وذكرت في الفصل الثاني: المباني الأصولية في الأدلة اللفظية عند العلاّمة الحليّ، وهي القرآن الكرم والسنة الشريفة، وبيان معنى تلك المباني، ودلالتهما ، والأقوال فيها وحجيتهما.
وذكرت في الفصل الثالث : المباني الأصولية في الأدلة غير اللفظية عند العلاّمة الحلي، المتمثلة بالاجماع والدليل العقلي، لأن البحث مقيّد بمباني المختلف, وكان البحث في معناهما والأقوال في دلالتهما وحجيتهما ومناقشة الأقوال وبيان الراجح منها.
وذكرت في الفصل الرابع: المباني الأصولية في الأصول العملية عند العلاّمة الحليّ، بالإضافة التعادل والترجيح، وكان البحث في معنى كل أصل، وأقسامه والمباني الاصولية فيه، وبيان رأي العلامة في كل قول, واختيار الراجح.
وذكرت في الخاتمة: ما استخلصته وتوصلت إليه من نتائج، ثم يتبعها ملخّص البحث باللغة الإنجليزية.
وفي الختام أحمد الله الذي وفّقني لإنجاز هذه الاطروحة بما يتناسب مع الخطة، فما كان فيها من صواب فهو بتوفيق منه تعالى، وماكان فيها من خطأ فهو منّي،وأسأل الله تعالى أن يغفر زلّتي وأن يقيلني عثرتي. والحمد لله أولاً وآخراً.
الفهرس
المقدمة............. 5
المبحث التمهيدي
المباني الأصولية ونبذة عن حياة العلامة الحلي
المطلب الأول: المباني الأصولية وعلم أصول الفقه .............11
المطلب الثاني: نبذة من سيرة العلاّمة الحلي .............32
المباني الأصولية في القواعد اللفظية عند العلاّمة الحلي
توطئة .............51
المبحث الأول: المباني الأصولية في الأوامر والنواهي .............53
المطلب الأول: المباني الأصولية في الأوامر.............53
المطلب الثاني: المباني الأصولية في النواهي.............61
المبحث الثاني: المباني الأصولية في العموم والخصوص .............68
المطلب الأول: معنى العام والخاص وألفاظ العموم.............68
المطلب الثاني: المباني الأصولية في دلالة العموم والخصوص.............76
المبحث الثالث: المباني الأصولية في المطلق والمقيد .............92
المطلب الأول: معنى المطلق والمقيد وما يستفاد منه الإطلاق.............92
المطلب الثاني: المبنى الأصولي عند تعارض المطلق والمقيد.............96
المبحث الرابع: المباني الأصولية في الخطابات الشرعية منطوقاً ومفهوماً ...........99
توطئة .............99
المطلب الأول: المنطوق.............100
المطلب الثاني: الدلالات السياقية.............102
المطلب الثالث: المفهوم.............105
المبحث الخامس: الناسخ والمنسوخ .............131
المطلب الأول: معنى النسخ.............132
المطلب الثاني: إمكان النسخ وأدلته.............134
المطلب الثالث: النسخ في الشريعة الإسلامية.............135
المباني الأصولية في الأدلة اللفظية عند العلاّمة الحلي
المبحث الأول: المباني الأصولية في دلالة القرآن .............101
توطئة .............145
المطلب الأول: دلالة النص .............148
المطلب الثاني: دلالة ظواهر الألفاظ.............154
المطلب الثالث: التطبيقات .............168
المبحث الثاني: المباني الأصولية في السنة النبوية وسنة أهل البيت: .........188
توطئة .............188
المطلب الأول: حجية السنة النبوية وسنة أهل البيت: .............191
المطلب الثاني: المباني الأصولية في الخبر الحاكي للسنة.............201
المطلب الثالث: التطبيقات.............222
المباني الأصولية في الأدلة غير اللفظية عند العلّامة
المبحث الأول: المباني الأصولية في الإجماع .............239
المطلب الأول: معنى الإجماع وأنواعه.............239
المطلب الثاني: المبنى الأصولي في حجية الإجماع عند العلاّمة الحلي.....243
المطلب الثالث: التطبيقات.............263
المبحث الثاني: المباني الأصولية في الدليل العقلي عند العلاّمة الحلي ............271
توطئة.............271
المطلب الأول: المسار التاريخي للدليل العقلي.............272
المطلب الثاني: تعريف الدليل العقلي وتحديد موضوعه وبيان أقسامه..279
المطلب الثالث: المباني الأصولية في حجية الدليل العقلي.............293
المطلب الرابع: التطبيقات.............301
المباني الأصولية في الأصول العملية عند العلاّمة الحلي
المبحث الأول: المباني الأصولية في الإستصحاب .............315
المطلب الأول: تعريف الاستصحاب وأركانه.............315
المطلب الثاني: المباني الأصولية في حجية الإستصحاب.............319
المطلب الثالث: التطبيقات.............331
المبحث الثاني: المباني الأصولية في أصل البراءة .............337
توطئة.............337
المطلب الأول: معنى البراءة وأنواعها.............339
المطلب الثاني: المباني الأصولية في حجية البراءة .............340
المطلب الثالث: التطبيقات ............. 344
المبحث الثالث: المباني الأصولية في أصل الإحتياط عند العلاّمة الحلي ........354
توطئة.............354
المطلب الأول: معنى الإحتياط وأنواعه.............355
المطلب الثاني: المباني الأصولية في حجية الاحتياط.............356
المطلب الثالث: التطبيقات .............362
المبحث الرابع: المباني الأصولية في التخيير .............368
توطئة .............368
المطلب الأول: معنى التخيير وأسبابه.............369
المطلب الثاني: المباني في حجية التخيير.............370
المطلب الثالث: التطبيقات.............374
المبحث الخامس: التعادل والترجيح .............376
توطئة .............376
المطلب الأول: معنى التعارض وشروطه.............377
المطلب الثاني: معنى التعادل والأقوال فيه.............380
المطلب الثالث: الترجيح.............384
المطلب الرابع: التطبيقات.............388
الخاتمة.............393
المصادر والمراجع.............401
الفهرس .............429