مكتبة الروضة الحيدرية
سلسلة صحافة النجف الاشرف : 12
صاحبها ورئيس تحريرها شيخ العراقين آل كاشف الغطاء
تم اعادة تأهيلها وطباعتها بحلتها الجديدة بواقع ( 1 مجلد )
مقدمة مكتبة الروضة الحيدرية
لعبت الصحافة في بداية النهضة الفكرية في البلدان الإسلامية دوراً مهمّاً في بثّ الوعي ونشر الثقافة، ولم تكن مدينة النجف الأشرف ـ السبّاقة في ميادين العلم والمعرفة ـ بمعزل عن هذا المولود الجديد، حيث ظهرت فيها عشرات الصحف والمجلات الثقافية والأدبية والاجتماعية والسياسية، وكانت سمتها الغالبة مواكبة الأحداث العالمية أدباً وسياسةً وثقافةً، فصحافة النجف الأشرف كانت مرآة صافية للنشاط الفكري والثقافي والاجتماعي الذي دار في مختلف أنديتها آنذاك.
وقد بلورت الهموم والآمال التي كان يحملها علماء وأدباء وساسة النجف تجاه الأمة الإسلامية، وتجاه مشاكلها المختلفة: من حلّ شبهة عقائدية، أو إعطاء رؤية سياسية، أو إبداء عواطف جيّاشة نصرة للمسلمين، أو إبداع آراء فكرية، وغيرها من الأمور التي تدلّ على ريادة النجف الأشرف في مختلف الميادين.
ومن أراد الاطلاع على دور النجف الأشرف في النهضة الفكرية الإسلامية المعاصرة لايتمكن من الإلمام بذلك إلّا عبر الاستعانة بتلك الصحف والمجلات المنشورة آنذاك، وتصفّح أوراقها لاقتطاف ثمارها، سيما ونحن على أبواب عام 2012م حيث تكون النجف العاصمة الثقافية للعالم الإسلامي، ممّا يدعونا إلى الاهتمام بتراث علمائنا وأدبائنا وإحيائه من جديد.
ومن هذا المنطلق، وإحياءً لهذا التراث القيّم الزاخر بالمعلومات المهمّة الكثيرة، وحفاظاً عليه من الضياع ـ إذ أصبح الكثير منها مفقوداً، وقلّما تجد مكتبة في النجف وغيرها تحتوي على كافة الأعداد المنشورة ـ قمنا في مكتبة الروضة الحيدرية بمشروع أرشفة هذه المجلات والصحف الكترونياً، ثم إعادة طباعتها ونشرها من جديد تحت عنوان (سلسلة صحافة النجف الأشرف).
وهذا لا يعني التزامنا واعتقادنا بصحة كل ما ورد فيها، إذ انّ الأبحاث الموجودة فيها تعبّر عن رأي أصحابها وربما تكون لنا ملاحظات على بعض منها نتركها لمجال آخر، وعملنا هنا مجرد أرشفة هذه الصحف وحفظها من التلف والضياع إذ أنها أصبحت جزء من تاريخنا وهويتنا الثقافية مع قطع النظر عن الصحة والسقم.
ونحن معكم هنا في عدد آخر من «سلسلة صحافة النجف الأشرف» وهو مجلة الغري لصاحبها ورئيس تحريرها شيخ العراقين عبدالرضا آل كاشف الغطاء، وهي مجلة أدبية اجتماعية عامة، عاشت ما يقارب ثلاثين عاماً، ومرّت بأدوار متفاوتة من النشاط والضعف سيما في السنين الأخيرة حيث كان يُكتفى بإصدار الملاحق بدل أعدادالمجلة، ولذا تعذر ضبطها عدا سنواتها العشر الأولى، حيث توجد في مكتبات النجف، ولكن لم نتمكن من العثور على جميع ما صدر في باقي السنوات سوى أعداد متفرقة غير مكتملة رغم بذل الجهدالكثير للحصول عليها، ولذا آثرنا طبع ونشر السنوات العشر الأولى، ثم الباقي بعد اكتمال الأعداد.
صدر العدد الأول من السنة الأولى في يوم الثلاثاء 6 رجب 1358هـ الموافق 22 / 1939م وانتهت سنتها العاشرة بالعدد (21 ـ 24) الخاص بمدينة البصرة في يوم الثلاثاء 25 ذو الحجة 1368هـ الموافق 18 تشرين الأول 1949م.
أهداف المجلة:
رسم شيخ العراقين أهداف المجلة في افتتاحية العدد الأول من السنة الأولى كما يلي:
«1 ـ خدمة الحقائق الإسلامية التي طمستها الجهالة وطمرت جوهرها غواشي الأضاليل لتفعم القلوب بنواميسه الصحيحة، وتبعث في الأفئدة مكانته العالية، فتطهر النفوس من رذيلة الشرك والشك والنفاق وفسادالأخلاق، وتضيئ للقلوب طريق الحقيقة، وتفتح للأفكار مجال التفكير والحرية، وتخلص العقول من قيود التقليد وأغلال العصبية الجاهلية.
2 ـ نشر العلم والأدب والثقافة بأوسع معانيها ومحاربة الجهل.
3 ـ نشر مزايا الوطن وخدمته وما يجب على أبنائه.
4 ـ السعي رويداً في إصلاح التربية وغرس أصول الفضائل في نفوس الشبيبة وتشويقهم إلى مكارم أخلاق آبائهم، وتذكيرهم بتاريخ أجدادهم المجيد الذين ملكوا قديماً الأقطار الشاسعة بالعدل والحزم وحسن السياسة والتضحية». هكذا رسم شيخ العراقين خطة عمله في مجلته التي طالت ثلاثة عقود من الزمن، وقد ساعده في تطويرها أدباء وعلماء وكتاب من مختلف الأنحاء، إلى أن توقفت نهائياً بموت صاحبها عام 1968م.
شكر وتقدير:
انّ من المستحيل أن تنجز الأعمال والمشاريع الكبيرة بجهود فردية، بل لابد من التعاون لإنجازها، ونحن بدورنا نشكر جميع الجهود التي بذلت لإنجاز هذا المشروع، وهم كلّ من:
1 ـ الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة المهندس السيد مهدي الحسيني والسادة أعضاء مجلس الإدارة.
2 ـ المكتبات الخاصة والعامة، وأخصّ بالذكر منها: مكتبة الإمام الحسن (عليه السلام)، مكتبة الإمام الحسين (عليه السلام) في الكوفة، مكتبة السيد الحكيم، مكتبة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء العامة لمؤسسها الشيخ علي صاحب الحصون المنيعة، مكتبة مؤسسة كاشف الغطاء، مكتبة الجامعة الإسلامية، مكتبة أبو سعيدة الوثائقية، دار الكتب والوثائق العراقية في بغداد، مكتبة السيد سلمان آل طعمة في كربلاء المقدسة.
3 ـ الكادر العامل في المكتبة حيث قاموا بعملية التصوير والتنظيف والإعداد، وهم كل من السادة: علي لفته كريم، نصير شكر، السيد هاشم بحر، السيد هاشم محمد نجف، مهند محمد حسين، نذير هندي فيروز، علي عبدالله جاسم، الأخت زينب جواد.
4 ـ الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء حيث تفضل مشكوراً بكتابة مقدمة للمجلة.
5 ـ الدكتور حسن عيسى الحكيم حيث تفضل مشكوراً بكتابة مقدمة للمجلة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
شيخ العراقين عبدالرضا آل كاشف الغطاء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف النبيين وخاتم المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. .
من الواضح الجلي أنّ النجف الأشرف مثوى باب علم رسول الله (ص) مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هي حاضرة العلم الأولى وكعبه أنظار طلبة العلوم الدينية وهي من المدن المقدسة العريقة في نشر العلوم وبث المعارف ومنها تخرج العلماء والمفكرون والأدباء والمتخصصون في المعارف الإنسانية وقد ملئوا أسماع الدنيا، وحازوا أعلى مراتب العلم وخلّفوا لنا من آثارهم النفسية ومصنفاتهم القيمة ما ملأ الخافقين، ومنها المجلات التي تعتبر أحد روافد الثقافة والمعرفة.
فقد مارس العراقيون من بداية القرن التاسع عشر الصحافة وأدركوا دور العمل الصحفي في خدمة المجتمع وكان النجفيون طريقتهم المثلى لنشر المعرفة والإرشاد في تلك الحقبة.
وقد كانت مجلة الغري أحد المجلات التي أسهمت في نشر الفكر والوعي بين أبناء بلدتهم فهي مجلة لكل متعلّم مهما كان مشربه أو اتجاهه وأياً كان موقعه ومكانه فهي لا تزدري أصوات الآخرين بل كانت تضم صوتها إلى جانب كل صوت يدافع عن القضايا الإسلامية فهي تعيشك كل أحوال عصرها فيسرح عقلك فيما يجري في ذلك الزمان من مسرح الأفكار فهي سجل تاريخ لمرحلة ما أهمله التاريخ من أحداث سياسية ووقائع يومية ومجالس أدبية أو خبر لشخصية ذا تأثير على المجتمع أو نقد لنظرية حديثة، أو فكرة وافدة، أو تحقيق مخطوط ، أو ترجمة لعلم من الأعلام، أو قصيدة شعرية، أو قصة أدبية فامتازت بشد قارئها والغوص في بحر مشكلات عصره، وتركيزها على الجانب المعرفي، وإثرائها بمواضيع متعددة الجوانب شاملة لكل حقول المعرفة الإنسانية وإن كنّا لا نوافق بكل ما جاء فيها من تمجيد القادة السياسيين، والدعوات المبطنة إلى تمجيد حضارة الغرب وانطوائها أحياناً تحت اتجاهات السياسية مع حسن الظن منّا بالنوايا الحسنة لكتاب المجلة، ولكن ما سطّروه كان بعيداً عن التخطيط والدراسةِ.
إنّ اختيار صاحب المجلة اسم الغري لمجلّته لم يكن رمية من غير رام وإنّما له دلالات مهمة تنطوي على مضامين دينية وتاريخية بوصفها أحد أسماء مدينة النجف الأشرف وقد استلهمت فيها روح الفكر والثقافة التي تمكن مخاطبة قارئيها آنذاك فقد اتسعت هذه المجلة لكل الجهود العلمية والفكرية من بحث ومقالة فهي ساحة مشرعة لا يضيق صدرها بالعمل الصادق وفيها من روح التسامح وقبول الآخر والدعوة لحفظ الحقوق، بل تحمل بين طياتها ما تكتبه الصحف والمجلات الأخرى عن موضوع معين، وتبحثه على شكل دراسة موضوعية أو مقارنة بين الفقه والقانون.
صاحب المجلة :
هو الشيخ عبد الرضا بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد بن الشيخ عباس بن الشيخ جعفر الكبير المشهور بكاشف الغطاء، والمنتهي نسبه إلى الصحابي الجليل لأمير المؤمنين مالك الأشتر النخعي. وكان لصاحب المجلة صلات وثيقة مع علماء الدين والأدباء، بل حتى السياسيين من أجل خدمة مدينة النجف الأشرف وله رحلات عديدة خارج العراق وكان كثير السفر، وله عدة مؤلّفات منها: الأنوار الحسينية في جزئين، ونصائح الشباب، وكتاب المعارف وغيرها.
وقد قدم الشيخ خلال الاثنين وسبعين من عمره جهوداً كبيرة في مجال الكتابة من حيث تأليف الكتب وتحرير المقالات الصحفية وقد استغرقت أعماله الكتابية معظم حياته وقد تضمنت كتاباته الصحفية أهمية الصحافة ودورها الفاعل في خدمة المجتمع ويتضح ذلك في مقالاته المعنونة (أهمية الصحافة في بناء المجتمع) مبرزاً أهمية الدور الاعلامي وكان إصدار العدد الأول منها يوم الأحد 22/أب/1939م.
أهداف المجلة :
وضعت إدارة المجلة أهدافاً تسعى لتحقيقها متمثلة بما يلي:-
1 ـ خدمة الحقائق الإسلامية.
2 ـ نشر العلم والأدب والثقافة بأوسع معانيها ومحاربة الجهل.
3 ـ نشر مزايا الوطن والحث على خدمته وما يجب على أبنائه.
4 ـ السعي في إصلاح التربية، وغرس أصول الفضائل في نفس الشبيبة، وتشويقهم إلى مكارم الأخلاق.
مميزات المجلة :
1 ـ تميّزت مقالات المجلّة العديدة ذات طابع إرشادي، وخصّت فئة الشباب باعتبار الفئة المهمة التي يقوم عليها عماد الوطن.
2 ـ جاءت أفكار المجلة منفتحة خارجة عما كان سائداً من أفكار متعصبة فالمجلة تؤمن بتنوع الثقافة ومصادرها.
3 ـ اهتمت المجلّة بالموضوعات الأدبية والتربوية ودعت إلى أهمية إيجاد المناهج التعليمية القادرة على تطور المجتمع الحديث وأخذ العلوم النافعة.
4 ـ أعطت أهمية للدين الإسلامي خاصة بوصفه أحسن الأديان وأكمل من القانون.
5 ـ تعتقد المجلّة انّ الثورة الحسينية لم تأخذ حقها من البحث والدرس والمعاني والعبر التي تستنبط منها، وحثّت الأجيال على الاستفادة من هذه الثورة المباركة لمحاربة الفساد والظلم والطغيان.
6 ـ تميّزت لغة موضوعات المجلّة بالبساطة والوضوح فجاء أسلوب الكتابة فيها
متيناً رصيناً، وإن كانت الموضوعات مختلفة.
7 ـ تنشر المجلة بعض الإعلانات المباحة التي ترد عليها وتكون في الصفحة الأخيرة غالباً.
8 ـ انّ الذين كتبوا في المجلّة هم ليسوا من كتاب الصحف بل من الأدباء ونشروا نتاجاتهم فيها.
9 ـ بعض كتاب المجلّة لم يذكروا أسماءهم الصريحة، بل يذكرون أسماء مستعارة، وذلك لأنّ الصحافة في تلك الحقبة لم تكن حرة وعدم اهتمام الحكومة وجديتها لاستماع الرأي الأخر.
أبواب المجلة:
1 ـ المقال الافتتاحي أو العمود الرئيسي للمجلة يمثّل وجهة نظر المجلة وهويتها ويكتب من صاحب المجلة، ويتناول فيه كل الموضوعات الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
1 ـ باب الأدب ـ اهتمت المجلّة بباب الأدب واحتلّ المكانة العليا في المجلة بل يمكن القول انّ مجلة الغري مجلة أدبية، إذ بلغ عدد المقالات الأدبية حوالي (128) مقالاً، وعدد الشعراء المشاركين في المجلة (297) شاعراً، كما بلغت مجموع مشاركاتهم الأدبية في المجلة (262) مشاركة كما انّ للقصة كانت لها حصة من المجلة سواء أكانت القصة مترجمة أو منقولة من المجلات العربية أو الأجنبية فضلاً عن قصص الأدباء العراقيين وقد بلغ عدد القصص المنشورة في المجلة (54) قصة، وكانت تعالج موضوعات اجتماعية ومن القصاصين التي تم نشر قصصهم فخر الدين صادق، وحسن الجواهري، وأحمد رضوي، وعبداللطيف مجيد وغيرهم.
2 ـ باب الدين ـ انّ ولادة المجلة في النجف الأشرف جعل توجهاتها ذات طابع ديني من خلال المقالات الدينية، وذلك لأنّ معظم كتابها من ذوي التوجهات الدينية كما أنّ مؤسّسها ينتمي إلى أسرة دينية فكانت المجلة لها حضور في المناسبات الدينية والثورة الحسينية خاصة وأصدرت عدداً خاصاً باستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وقد بلغت الموضوعات الدينية المنشورة في المجلة (98) موضوعاً.
3 ـ باب التاريخ ـ يتمثل الباب التأريخي للمجلة بنشر سيرة بعض الشخصيات التاريخية، مظهرة مواقفهم المتميزة أمثال الصحابي مالك الأشتر النخعي كما أنّ المجلّة دعت إلى كتابة التأريخ برؤية جديدة واهتمت بالمخطوطات والوثائق والآثار بصورة خاصة باعتبارها المصادر الأصيلة لكل باحث وقد بلغت عدد الموضوعات التاريخية التي نشرتها المجلة حوالي (127) موضوعاً.
4 ـ باب الصحة ـ فقد نبهت المجلّة جميع قرائها بالعلاقة بين الإيمان والصحة وجاء ذلك في مقالات الدكتور سامي شوكت بعنوان (حرارة الإيمان وأثرها في صحة المجتمع) وساعدت في زيادة تنمية الوعي الصحي بنشر بعض التوجيهات الصحية وقد بلغت عدد الموضوعات الصحية في المجلة أكثر من (31) موضوعاً من مجموع الموضوعات الثقافية البالغة (669) موضوعاً.
5 ـ باب السياسة ـ تناولت المجلة بعض القضايا السياسية، وأبدت وجهة نظرها بالأحداث مثل الحرب العالمية الثانية والحرب العراقية البريطانية عام (1941م) والتي نشرت المجلة فتاوى حجج الإسلام التي تدعو إلى حمل السلاح ضد الأجنبي وبسببها أدى إلى منع إصدار المجلة لمدة (93) يوماً، كما تناولت المجلة مقالات عن النظام الديمقراطي والمساواة بين الأفراد وتعميق الحرية الفكرية، وقد بلغت المقالات السياسية في المجلة ما مجموعه (86) مقالاً.
6 ـ باب الترجمة كتاب ـ ترجمت المجلة للّذين رفدوها بنتاجاتهم الكثيرة منهم انستاس ماري الكرملي وجعفر حمندي، وجعفر نقدي، والشيخ جواد الشبيبي، وعبد الرزاق الحسني، والشيخ عبد الكريم الزنجاني، والشيخ فريق مزهر فرعون، والشيخ محمد الشبيبي، ومحمد مهدي البصير وغيرهم وقد بلغ عدد الكتاب الذي ترجم لهم أربعة عشر شخصية.
إنّ مجلة الغري بحق حافظة للتراث النجفي والعراقي من خلال ما نشرته من موضوعات مختلفة لذا تعد واحدة من المجلات الوثائقية.
وإن الذين اشتغلوا بالصحافة وشؤونها صارعوا الأيام وصارعتهم في ذلك الميدان الشائك وكانت غاياتهم القيام ببعض ما يفرضهُ عليهم الواجب من خدمة العلم والفضيلة التي تهون في سبيلها كل مشقة وعناء، حيث انّ أصحاب المجلات أغلبهم كانوا يعانون من عوزهم المادي لطباعة مجلاتهم، ولكن لم تنثنِ عزائمهم وإصرارهم على إصدار مجلاتهم.
إنّ إحياء الثقافة النجفية العريقة الغنية بأفكارها، ومد الجسور بين حاضر ثقافتنا والثقافة التي سبقتنا لها معطيات ايجابية على فهمنا لواقعنا وصحة تحليلاتنا، وذلك من خلال إعادة طبع المجلات القديمة مما له فائدة عظيمة لاطلاع جيلنا المعاصر على الفكر المنسي وهدايته الى منابعه.
وفي الختام كل الشكر للقائمين على مشروع إعادة طبع المجلات النجفية القديمة في العتبة العلوية المقدسة ونأمل مزيداً من الأعمال خدمة للعلم والفضيلة. والله الموفق .
المدرسة المهدية الدينية / النجف الأشرف
عباس كاشف الغطاء
18/ رجب /1432هـ
-------------------------------------
مقدمة الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم
مرّ على صدور مجلة (الغري) النجفية اثنتان وسبعون سنة، إذ صدر العدد الأول منها عام 1358هـ / 1939، ونحن ـ اليوم ـ في عام 2011م، تستعيد العتبة العلوية المقدسة، إحياء هذه المجلة، بحلة قشيبة، وفاءً لمدينة النجف الأشرف، لصاحبها الشيخ عبدالرضا آل كاشف الغطاء، المعروف بشيخ العراقين، وكان لمدينة النجف الأشرف دور الريادة في الصحافة العراقية منذ عام 1327هـ/ 1909م. في الوقت الذي كان العراق فقيراً في إصداراته الصحفية، ولم تبال الصحافة النجفية بالأزمات التي اعترضت طريقها، سواء أكانت اقتصادية، أم اجتماعية، أو ثقافية، وكانت مجلة الغري، في النتاج الصحفي النجفي، وقد وضعت المجلة على صدر صفحتها الأولى، البيت الشعري الآتي:
أدب العروبة لو تكون جبهة
لغدا عليها عزة (أدب الغري)
وقد أرادت مجلة الغري أن تكون في حصاد المجلات العربية التي تعاصرها، وقد فتحت الباب على مصراعيه للباحثين، وأصحاب الكلمة من فروع المعرفة كافة، وأشارت إلى أنها: (مجلة علمية أدبية دينية جامعة) وكتب على أعدادها الأخيرة: (مجلة علمية أدبية فلسفية فنية اقتصادية جامعة).
وعلى الرغم من معاناة المجلة فقد استمرت في الصدور ثلاثين عاماً، وإن تعثر صدورها في السنوات الأخيرة. وهذا هو ديدن الصحافة التي لم تسهم المؤسسات الثقافية والدينية في إسنادها، وكانت تصدر أعداداًَ مزدوجة لكي تعوض عن سبب تأخر صدورها، وحتى لا تشعر القارئ بأنّها تراجعت عن الصدور، وقد أشار الصحفي النجفي الشيخ عبدالهادي العصامي إلى معاناة (مجلة الغري) بقوله: «استمرت الغري بين خصب وجدب تصارع الأزمات السياسية والمالية والأدبية» في معرض بحثه (الصحافة النجفية) المنشور في (جريدة العدل) في الجزء (31) لسنة 1397هـ/ 1977م، وقد أشاد الباحثون والصحفيون العراقيون والعرب بمجلة الغري، فالأستاذ أديب مروة في حديثه عن الصحافة العربية، يقول: إنّ مجلة الغري تعدّ من المجلات الأدبية الراقية، وتحدث الأستاذ علي الخاقاني عن (تاريخ الصحافة في النجف) قائلا: إنّ مجلة الغري تشكل ثروة أدبية وتاريخية، فقد شارك في بحوثها عدد من الكتاب من ذوي الاختصاصات المختلفة، فهي بذلك سجل أدبي تاريخي للعراق.
ونستشف من خلال الرأيين آنفي الذكر، انّ مجلة الغري فرضت وجودها على الصعيدين العراقي والعربي وكانت تخصص لبعض المناسبات الدينية والاجتماعية عدداً خاصاً مزدوجاً بأكثر من عدد، ففي عام 1365هـ/ 1946م، خصص العدد بالإمام الحسين عليه السلام ، وفي عام 1366هـ/ 1947م. خصص العدد للإمام السيد أبي الحسن الموسوي الاصفهاني ـ وهو مرجع الإمامية الأكبر ـ بمناسبة وفاته، ولم تنس المجلة الصحفي النجفي البارع الأستاذ يوسف رجيب، فأصدرت عدداً خاصاً به عام 1366هـ/ 1947م، فقد جمع الأستاذ محمد علي البلاغي ما قيل في رثاء الأستاذ يوسف رجيب، وقدم لمجلة الغري.
ولعلّ من مبادرات المجلة الرائعة إصدار عدد خاص ضمّ قصيدة واحدة للشاعر النجفي المبدع السيد محمود الحبوبي، بعنوان: (شاعر الحياة)، والقصيدة عبارة عن موشح قاربت أبياته على أربعمائة بيت، وكتب شيخ العراقين مقدمة لهذا العدد الخاص، ويمكننا القول: إنّ هذا اللون من العمل الصحفي في مدينة النجف الأشرف يعد جديداً في تاريخ الصحافة النجفية، ولأكثر من نصف قرن من الزمان، ومجلة الغري تبادر إلى نشر ألوان جديدة من المعرفة، وهي تعطي صورة عن واقع الحركة العلمية والأدبية في النجف الأشرف، في منتصف القرن العشرين، وهذه سمة بارزة عاشتها مدينة النجف الأشرف في عطائها المعرفي، في الوقت الذي كان العراق يعيش في وضع ثقافي محدد وعلى صعيد النشر الحكومي، وبخاصة في العاصمة (بغداد) فالنجف الأشرف كانت في النصف الأول من القرن الماضي تعيش في نشاط علمي وثقافي كبيرين، كما توضحه نتاجات المطابع ودور النشر، ولم يقتصر النتاج الذي تصدره مدينة النجف الأشرف على أبنائها، بل تعداه إلى العراقيين والعرب والأجانب.
ولابدّ لنا من الإشارة إلى الشيخ عبدالرضا بن الشيخ عبدالحسين آل كاشف الغطاء المعروف بشيخ العراقين. وقد ساعدته جولاته في الهند وزنجبار وحضرموت وعدن ولحج والكويت وأقطار عربية وإسلامية أخرى على تعلم اللغتين الفارسية والهندية، وعند استقراره في النجف الأشرف، أصبح مجلسه ندوة علمية وأدبية، وان مشاركاته في نشاط جمعية الرابطة الأدبية ومهرجان الأدب الحي، يعطي مؤشراً على ثقافته.
ونظراً لما تقوم به العتبة العلوية المقدسة من إحياء لمجلة الغري، فإننا نضع أمامها كتاب شيخ العراقين (تاريخ البيوت والأُسر العربية في النجف) الذي ما زال مخطوطاً، ونشره لا شك يغطي جانباً من تاريخ مدينة النجف الأشرف، وللشيخ كاشف الغطاء أكثر من كتاب عن النجف ومنها (الرحلة النجفية في المدن الغربية والشرقية) و(الكلمة النجفية في القارة الهندية). وله كتب عن العراق، ولابدّ من ان يكون للنجف الأشرف مساحة فيها، ولشيخ العراقين في (مجلة الغري) بحوث مختلفة. وانّ (نجفياته) بارزة في الجانب الديني والاجتماعي، وإنّنا نبارك مجهود العتبة العلوية الحيدرية المقدسة في نشاطها الثقافي والمعرفي.