يعد أقدم مساجد النجف الاشرف في الوقت الحاضر, وينسب الى أمير البطائح عمران بن شاهين المتوفى سنة 369هـ/979م, إذ كان تشييده مواكباً لعمارة السلطان عضد الدولة البويهي للمرقد العلوي المطهر التي اكتملت في عام 371هـ/981م. ورد في كتاب (معالم المرقد العلوي المطهر) ما نصه: (يقع هذا المسجد في الجهة الشمالية من سور الصحن الشريف على يمين الداخل من باب الطوسي، وقد كان رواقاً من أروقة الصحن الشريف. يعود تاريخه إلى أواسط القرن الرابع الهجري، شيده عمران بن شاهين الخفاجي في عهد عضد الدولة البويهي، ويُعتَقَد أنهُ حُوّل الى مسجد في بداية العهد الصفوي)(1).
وقد وصف السيد عبد الكريم بن طاووس في كتابه (فرحة الغري) حكاية عمران بن شاهين ولقاءه عضد الدولة البويهي داخل الروضة المطهرة, وقال: (وبنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفيهما السلام)(2).
ويحدثنا الشيخ جعفر محبوبه في كتابه (ماضي النجف وحاضرها) عن التغيير العمراني الذي حدث للرواق في عهد الدولة الصفوية فيقول: (كان رواق عمران هذا مفصولاً عن الرواق الموجود اليوم ويبعد عنه خطوات قليلة, وعند مجيء الشاه عباس الاول الى النجف وعمارته الصحن الشريف والروضة المطهرة هدم قسماً منه وأدخله في الصحن ووسع ساحة الصحن من تلك الجهة وجعله على سمت الصحن القديم -حوش الحضرة-, ولما جاء الشاه صفي اكتسح الدور المجاورة للصحن من جهة الشرق والقبلة وأدخلها في الصحن ووسعه من سائر جهاته الثلاث, وهي العمارة الموجودة اليوم)(3) .
ويقول العلامة الشيخ محمد حرز الدين في كتابه (مراقد المعارف) في هذا الصدد: (ومن آثار عمران بن شاهين الرواقين الاثريين: رواق في النجف الاشرف وكان متصلاً بحرم أمير المؤمنين عليه السلام, وبعد توسعة الصحن في العهد الصفوي أدخِلَ معظمه في الصحن المقدس وبقي منه جناح يعرف بمسجد عمران اليوم, ورواق في كربلاء المقدسة في الحائر الحسيني متصل بمرقد سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام, بناهما وفاء لنذره عندما استجار بمرقد علي أمير المؤمنين عليه السلام, وكان نذره إن عفا عنه عضد الدولة البويهي يبني الرواقين)(4).
وقد أشار الشيخ محمد السماوي في أرجوزته الموسومة بـ(عنوان الشرف في وشي النجف) الى بناء عمران بن شاهين للرواقين في النجف وكربلاء بقوله:
وشـــاد خلـف قبـره رواقـــا شـكراً لما وافى به وواقى
وشاد خلف روضة الشـهيد بكربـــــلا آخــر للتمهيـــــدِ
وذانِ حتــى اليـوم يعرفــانِ بنسبتيهما الى عمرانِ(5).
وتعطينا الدكتورة سعاد ماهر في كتابها (مشهد الامام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف) وصفاً لطبيعة عمارة المسجد فتقول: (وبفحص عمارة المسجد ومبانيه تبين لنا انه يرجع الى نفس طراز الإيوانات والسور الخارجي, سواء أكان ذلك من حيث مواد البناء من أحجار وغيرها, أم من ناحية العقود والفتحات, هذا بالإضافة انه لا يوجد( لحام), وصل مستحدث, مما يستدل منه ان مباني المسجد حدثت في نفس وقت بناء الإيوانات والجدران الجانبية. وعلى ذلك يمكن القول ان رواق عمران بن شاهين حُوِّلَ الى مسجد في القرن العاشر الهجري على أقل تقدير أي في العصر الصفوي)(6).
ويذهب الشيخ جعفر محبوبه الى هذا الرأي فيقول: (مسجد عمران لم يُعْلَم قبل أنه كان مسجداً، بل المشهور والمسطور أنه بُنيَ رواقاً، فعلى هذا هو من جملة أروقة الحرم العَلَوي, ولا ريب في جواز الدفن فيه، وغير بعيد أنه بعد انفصاله عن الحرم العَلَوي رُتّبَت عليه آثار المسجدية)(7).
وللشيخ محمد الكوفي المتوفى سنة1352هـ رأي آخر ذكره في كتابه (نزهة الغري) فقال: (المشهور عند النجف ان هذا المسجد الذي هو بباب الطوسي هو مسجد عمران, ويزعمون انه الرواق الذي بناه عمران بن شاهين, وهذا بعيد ولا يمكن, لان معنى الرواق الاحاطة بالحرم والاحاطة بالبيت لغة وعرف, وزعم بعضهم ان هذا المسجد ادخل بعضه في الصحن الشريف, فإذن لا يصدق رواق بل هو مسجد لحاله, والرواق غيره, ولعل هذا المسجد بناه بعض آل عمران بن شاهين فاشتهر بمسجد عمران لطول الزمن والله اعلم )(8).
وفي كتاب (العراق كما رسمه المطراقي زاده) لوحة رسمها المطراقي للروضة الحيدرية المقدسة عندما زار العراق في القرن العاشر الهجري يشاهد فيها موقع رواق عمران كبناء مستطيل الشكل متصل بالحرم العلوي المطهر من جهته الشمالية, علماً ان العمارة الايليخانية للمرقد القائمة يومئذ هي التي تم رسمها (9).
وخلاصة القول انه عند تشييد العمارة الصفوية بأمر الشاه عباس الأول في العام 1023هـ/ 1614م تم هدم جزء من هذا الرواق لأجل تَربيع الصحن الشريف، ولم يتبق من مساحته حاليا الا 141م2 عند استثناء مساحة دهليز الباب الشمالي (أي باب الطوسي بوضعه الاصلي).وقد دفن في المسجد جمع من العلماء ومنهم السيد محمد كاظم اليزدي والسيد عبدالحسين شرف الدين.
ويقول السيد عبدالمطلب الخرسان في كتابه مساجد ومعالم الروضة الحيدرية المطهرة: (إن المساحة المتبقية من رواق عمران بن شاهين اتُخِذَت مسجداً, وهي التي تعرف بمسجد عمران لحد الان, وقد أدركنا المرجع الديني آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره يقيم الجماعة فيه لصلاة المغرب والعشاء في فصل الشتاء, ويُدرِّس فيه عندما يكون في مسجد الرأس تعمير)(10).
وخلال عدة قرون سابقة - منذ القرن الرابع الهجري- طرأت إصلاحات عدة على المسجد, ولكن ما يؤسف له ان هذا المعلم التاريخي قد أغلق عشرات السنين في الفترة المتأخرة وأهمِلَ واتُخِذ مخزناً, فتضررت أسُسه وجدرانه من الرطوبة وانتشرت فيه الأرضة.
وبعد عام 2003م وزوال النظام البائد أخَذ هذا المَعلَم نصيبه من الإعمار ضمن مشاريع الأمانة العامة للعتبة العلوية المقدسة من حيث الترميم وإعادة بناء الأجزاء المتضررة, وتم الشروع بالإعمار في سنة 1428هـ/2007م, إذ تم تدعيم الأسس للجدران والأعمدة الطابوقية فضلاً عن إسناد جميع الجدران بإزارة من الكونكريت المسلح وتدعيمها بهيكل حديدي مترابط, وتم تغليف الجدران والأعمدة والسقوف بالطابوق المنجور (الجفقيم) مع الحفاظ على الطراز التراثي للبناء, وتم رصف أرضية المسجد وإزارة الجدران بالمرمر الاونكس.
وبعد إنجاز عملية الإعمار تم افتتاح المسجد بحلته الجديدة في 28 شوال 1431هـ / 2010م, ويرتاده الزوار في الوقت الحاضر للتعبد, ويتم إلقاء الدرس الحوزوي فيه من قبل آية الله الشيخ محمد السند.