[35] ومن خطبة له (عليه السلام) بعد التحكيم([1])
الْـحَمْدُ للهِ وَإنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْـخَطْبِ الْفَـادِحِ ، وَالْـحَدَثِ الْـجَلِيلِ ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ، لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ).
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْـمُجَرِّبِ تُورِثُ الْـحَسْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْـحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَخَلْتُ لَكُمْ([2]) مَخزُونَ رَأْيِي، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ([3]) فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المخَالِفِينَ الْـجُفَاةِ، وَالمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ([4])، فَكُنْتُ وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ([5]):
أَمَرْتُكُــمُ أَمْري بِمُنْعَــرَجِ اللِّــوَى فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ
[1] ـ رواها بزيادة ونقصان كلّ من نصر بن مزاحم المنقري (ت212) في كتاب صفين، كما في شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 256، وقال في حقه: «فهو ثقة ثبت، صحيح النقل، غير منسوب إلى هوى ولا إدغال، وهو من رجال أصحاب الحديث». ورواها أيضاً ابن قتيبة (ت276) في الامامة والسياسة 1 : 163، والبلاذري (ت279) في أنساب الأشراف 3: 1066 وقال: «حدّثني عبّاس بن هشام، عن أبي مخنف، عن أبي روق الهمداني، عن عامر الشعبي، وعن المعلّى بن كليب، عن أبي الوداك جبر بن نوف وغيرهما...»، والطبري (ت310) في تاريخه 4: 57، والمسعودي (ت346) في مروج الذهب 2: 412، وأبو الفرج الاصفهاني (ت356) في الأغاني 10 : 12 فانّه ذكر السند وأشار إلى الواقعة واكتفى منها بذكر البيت فقط، قال: «حدّثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي، قال: حدّثنا حسين بن نصر ابن مزاحم، قال: حدّثنا عمر بن سعيد أبي مخنف عن رجاله...».
[2] ـ نخلت لكم: أي أخلصته، من نخلت الدقيق بالمنخل.
[3] ـ هذا مثل تمثّل به (عليه السلام) لقصير بن سعد صاحب جذيمة، فضرب المثل لكلّ ناصح يُعصى.
[4] ـ ضن: بخل، والزند: العود الذي تقدح به النار، والقدح: اشتعاله.
[5] ـ هو دريد بن الصمّة، والأبيات قالها بعدما خالفه أخوه و لم يسمع نصيحته في عدم المقام بمنعرج اللوى عندما غزا بني بكر، فأغاروا عليه وقتلوه، فأنشد دريد قوله هذا.