[211] ومن خطبة له (عليه السلام)

[في عجيب صنعة الكون]

وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَروتِهِ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ([1]) الْـمُتَرَاكِمِ الْـمُتَقَاصِفِ([2])، يَبَساً جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا([3])، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ([4])،[وَأَرْسَى أَرْضاً] يَحْمِلُهَا الأَخْضَرُ الْـمُثْعَنْجِرُ([5])، وَالْقَمْقَامُ([6]) الْـمُسَخَّرُ، قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِـهَيْبَتِهِ، وَوَقَفَ الْـجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ، وَجَبَلَ جَلَامِيدَهَا([7])، وَنُشُوزَ مُتُونِهَا وَأَطْوَادِهَا([8])، فَأَرْسَاهَا في مَرَاسِيهَا([9])، وَأَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا، فَمَضَتْ رُؤُسُهَا فِي الْـهَوَاءِ، وَرَسَتْ أُصُولُـهَا فِي الْـمَاءِ، فَأَنْهَدَ([10]) جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِـهَا، وَأَسَاخَ([11]) قَوَاعِدَهَا فِي مُتُونِ أَقْطَارِهَا، وَمَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا([12])، فَأشْهَقَ قِلاَلَهَا([13])، وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا([14])، وَجَعَلَهَا لِلأرْضِ عِمَاداً، وَأَرَّزَهَا([15]) فِيهَا أَوْتَاداً، فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِن أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسِيخَ([16]) بِحِمْلِهَا، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَواضِعِهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا، وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً، وَبَسَطَهَا لَـهُمْ فِرَاشاً! فَوْقَ بَحْرٍ لُـجِّيٍّ رَاكِدٍ لا يَجْرِي، وَقَائِمٍ لَا يَسْرِي، تُكَرْكِرُهُ([17]) الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَتَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ([18])، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِـمَنْ يَخْشَى.  

[الْـقَمْقَامُ هَاهُنا: البَحرُ، سُمّي بذلكَ لاجتماع مائِهِ، مِنْ قَوْلِـهِمْ: قَمْقَمَ اللهُ عَصَبَهُ أي جَمَعَهُ. والأَرْزُ يُقَالُ: أَرَزَ الشَّيْءُ ـ على مثال فعل ـ إذا ثَبَتَ، يَأْرِزُ أُرُوزَاً وَأرْزَاً أيضاً، إذَا تَقَبَّضَ وَاجْتَمَعَ].